السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





سماحة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم لفضيلة الشيخ /محمد المحيسني

سماحة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم لفضيلة الشيخ محمد المحيسني 666e4c30e0bea09b46645410ae95a1c3



الصفح مرادف للعفو.. وقد ورد الصفح والعفو في كتاب الله، والكثير من
الأحاديث النبوية الشريفة التي تربو على الحصر، ويصعب ذكرها جميعاً هنا...

لذلك فإننا سنذكر بعضاً من مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، تيمناً به،
والتزاماً بما أوجبه الله علينا من طاعته، واقتداء بسنته..

قال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ))[الأحزاب:21]، ومن ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم: «من تنصل إليه فلم يقبل، لم يرد علي الحوض»،
وقوله عليه الصلاة والسلام: «ما عفا امرؤ عن مظلمة، إلا زاده الله بها
عزاً»، أو كما قال عليه السلام.

ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة.. في الأخلاق.. والفضائل..
وحسن الشمائل.. فمنه بدأ نبعها، وإليه انتهى مستقرها، وكم هي قليلة هزيلة
كل كلماتنا، ونحن نحاول وصفه أو التحدث عنه..

فلنقف خاشعين أمام ما قاله أكرم القائلين جل وعلا في حقه: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ))[القلم:4].

قالوا امتدح سيد الكونين قلت لهم
يجل عن كلمي قدرا وأشعاري
ماذا عساه يقول المادحون وقد
أثنى عليه بما أثنى به الباري

كانت حياته صلى الله عليه وسلم تفيض فيضاً بمواقف الحلم.. والعفو..
والتسامح، ما يعد بحقٍ نموذجاً كاملاً لمن يطلب الكمال.. والمروءة..
والشرف...

كان العفو أبرز صفاته، ومن أكرم أخلاقه، فألف بين القلوب، وجعل من أعدائه
أصحاباً يحمون العقيدة، ويفدونها بأرواحهم، ويبذلون من أجلها كل غال ونفيس.

لم يكن أحد ييأس من عفوه، أو يقنط من تسامحه، وما عدا كعب الحق، حين قال:

أنبئت أن رسول الله أوعدني
والعفو عند رسول الله مأمول

آذاه المشركون أيما إيذاء.. واضطهدوه أيما اضطهاد...

على ظهره صبوا الأذى وهو ساجد
وكم سخروا من شخصه وتهكموا

ورموه بالحجارة حتى أدموه، وحاصروه مع أهله وعشيرته في الشعب.. حتى أكلوا
حشائش الأرض، ونالوا من أصحابه سجناً وتعذيباً وقتلاً وحرقاً.. ثم تآمروا
على قتله.. وأخرجوه وأصحابه من ديارهم وأوطانهم، ونهبوا أملاكهم، وفرقوا
بينهم وبين أحبابهم، وما تركوهم في دار هجرتهم آمنين، بل ما زالوا يشنون
الغارات، ويؤلبون القبائل، ويحرضون اليهود سعياً لاستئصال الإسلام وأهله...

وعاد محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحاً منتصراً... فنكس الأصنام،
وطهر البيت الحرام، وصلى داخل الكعبة المشرفة... وبينما قريش في حيرتها
وتوجسها مما عساه يفعل بهم بعد الذي كان!!!

وبعدما ظن بعض المسلمين أن ساعة الثأر والانتقام قد حانت، وما هو إلا أن يصدر أمر القائد.

وإذا بالقائد العظيم.. صاحب الخلق العظيم.. الرؤوف الرحيم، يرفع صوته
قائلاً: لا إله إلا الله وحده.. صدق وعده.. ونصر عبده.. وأعز جنده.. وهزم
الأحزاب وحده...

ثم ينادي: يا أهل مكة! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً. أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء...

يا من له الأخلاق ما تهوى العلا
منها وما يتعشق الكبراء
زانتك في الخلق العظيم شمائل
يغرى بهن ويولع الكرماء
فإذا سموت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لا تفعل الأنواء
وإذا عفوت فقادراً ومقدراً
لا يستهين بعفوك العقلاء
وإذا رحمت فإن تام أو أب
هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا غضبت فإنما هي غضبة
للحق لا ضغن ولا شحناء

أكبر المسلمون ذلك الخلق النبيل، ودهش المشركون، لذلك الصفح الجميل.. ولكم
حقنت تلك الكلمة من دماء، ولكم وصلت من أرحام، ولكم كان لها من الأثر في
قلوب الناس، فاقبلوا نحو دين الله أفواجاً....

ذلك الموقف ما هو إلا قطرة من ثج، وهمسة من عج...

فما كان للحبيب المصطفى أن ينتقم من أحد أبداً، وما كان ليغضب إلا لله..
وما جاءه أحد معتذراً إلا قال له: عفونا عنك.. أفلا ينبغي علينا أن نتخلق
بأخلاقه، ونتأدب بآدابه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه؟!

والحمد لله رب العالمين...