السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



آيات كريمة ومعجزات عظيمة ، سخرها الله تعالى لتشهد بصدق النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ ، وتبيّن حقيقة تأثّر الجماد ـ فضلاً عن بني البشر ـ بالقرب
منه والاستماع إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، في أخبار ثابتة بالنصوص
الصحيحة .

نعم لقد نطق الجماد ، فحنَّ الجذع ، وسبح الطعام وسلم الحجر والشجر ، إنها
دلائل ومعجزات مع الجمادات التي لا روح فيها ، أعطاها الله لنبيه وحبيبه ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ، تأييداً لدعوته ، وإكراماً له ، وإعلاءً لقدره ،
الأمر الذي ترك أثره في النفوس ، وحرك العقول ، ولفت انتباه أصحابه نحو
دعوته التي جاء بها ، وأثبت لهم أنها دعوة صادقة مؤيدة من الله ، والأدلة
والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة منها :

[size=21]النخلة تسمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتطيعه :


عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال بم أعرف أنك نبي؟ ، قال : إن دعوت هذا العذق (الذي فيه الرطب)
من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله؟ ، فدعاه رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ ، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،
ثم قال : ارجع، فعاد ، فأسلم الأعرابي
) رواه الترمذي .

وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( سرنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى نزلنا واديًا أفيح (واسعا)
، فذهب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقضي حاجته ، فاتبعته بإداوة من
ماء ، فنظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم ير شيئًا يستتر به ، فإذا
شجرتان بشاطئ الوادي ، فانطلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى
إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها ، فقال : انقادي عليَّ بإذن الله ، فانقادت
معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده ، حتى أتى الشجرة الأخرى ، فأخذ بغصن
من أغصانها فقال : انقادي علي بإذن الله ، فانقادت معه كذلك ، حتى إذا كان
بالمنصف مما بينهما لأم (جمع) بينهما ، فقال
: التئما علي بإذن الله فالتأمتا . قال جابر : فخرجت أحضرمخافة أن يحس
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقربي فيبتعد ، فجلست أحدث نفسي فحانت
مني لفتة ، فإذا أنا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقبلا ، وإذا
الشجرتان قد افترقتا ، فقامت كل واحدة منهما على ساق ، فرأيت رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ وقف وقفة فقال برأسه : هكذا ـ وأشار أبو إسماعيل
برأسه يمينًا وشمالاً ـ ثم أقبل ، فلما انتهى إليَّ قال : يا جابر هل رأيت
مقامي ؟ ، قلت : نعم يا رسول الله ، قال : فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل
واحدة منهما غصنا فأقبل بهما ، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك
وغصنًا عن يسارك .. قال جابر : فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته (أحددته) فانذلق لي (صار حادًا)
، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ، ثم أقبلت أجرهما حتى قمت
مقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن
يساري ، ثم لحقته فقلت : قد فعلت يا رسول الله فعم ذاك ؟!، قال : إني مررت
بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفه (يخفف) عنهما ، ما دام الغصنان رطبين
) رواه مسلم .

وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: (
كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في سفر فأقبل أعرابي ، فلما دنا
منه قال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أين تريد ؟ ، قال : إلى
أهلي ، قال: هل لك في خير؟ ، قال : وما هو ؟ ، قال : تشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، قال : ومن يشهد على ما
تقول ؟ ، قال : هذه السلمة (شجرة من أشجار البادية) ، فدعاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي بشاطئ الوادي ، فأقبلت تخد (تشق)
الأرض خدًا حتى قامت بين يديه ، فأشهدها ثلاثًا فشهدت ثلاثًا أنه كما قال ،
ثم رجعت إلى منبتها ، ورجع الأعرابي إلى قومه وقال : إنِ اتبعوني آتك بهم ،
وإلا رجعت فكنت معك
) رواه الطبراني .

الشجرة تنتقل من مكانها إرضاء للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( جاء جبريل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات يوم وهو جالس حزينا قد خضب بالدماء (ملأت الدماء رأسه)
، ضربه بعض أهل مكة ، قال : فقال له : مالَك ؟ ، قال : فقال له : فعل بي
هؤلاء وفعلوا ، قال : فقال له جبريل ـ عليه السلام ـ : أتحب أن أريك آية ؟ ،
قال نعم ، قال : فنظر إلى شجرة من وراء الوادي ، فقال : ادع تلك الشجرة ،
فدعاها ، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه ، فقال : مرها فلترجع ، فأمرها
فرجعت إلى مكانها ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حَسْبي
) رواه أحمد.

بل إن الله ـ عز وجل ـ أنطق الشجرة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فعن مِعن قال : سمعت أبي قال : ( سألت مسروقًا : من آذن (أعلم) النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجن ليلة استمعوا القرآن ؟ ، فقال : حدثني أبوك ـ يعني ابن مسعود
ـ : أنه آذنته بهم شجرة ، وكان ذلك ليلة الجن عندما غاب النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ عن أصحابه ، وجاءه داعي الجن فذهب معهم ، وقرأ عليهم القرآن ،
وآمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه
) رواه مسلم .

تسليم الحجر والشجرعلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : ( إني لأعرف حجرًا بمكة ، كان يسلم عليَّ قبل أن أُبعث ، إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم .

قال النووي معلقًا على هذا الحديث : " فيه
معجزة له ـ صلى الله عليه و سلم ـ ، وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات
، وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة : { وَإِنَّ مِنَ
الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا
يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ
مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
} (البقرة: من الآية74)، وقوله تعالى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم }(الاسراء: من الآية44) .

وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : (
كنت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة ، فخرجنا في بعض نواحيها ، فما
استقبله جبل ـ أي حجر ـ ولا شجر ، إلا وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله
) رواه الترمذي .

تسبيح الطعام بحضرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: (
كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفًا ، كنا مع رسول الله ـ صلى
الله عليه و سلم ـ في سفر ، فقال : الماء ، فقال : اطلبوا فضلة من ماء ،
فجاءوا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ثم قال : حي على الطهور
المبارك ، والبركة من الله ، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله ،
ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل
) رواه البخاري .

حب وشوق الجمادات للحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

لم تقف الدلائل والمعجزات النبويّة مع الجمادات عند حدود النطق والكلام
والحركة ، بل امتدّت لتشمل الحب والشوق ، والمشاعر والأحاسيس .

عن سهل عن أبيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه ) رواه البخاري . وعن قتادة أن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ حدثهم : ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم ، فقال : اثبت أحد ، فإنما عليك نبي وصِّديق وشهيدان ) رواه البخاري . والصِّديق هو أبو بكر ، والشهيدان هما عمر وعثمان وقد ماتا شهيدين .

وإذا كان الجبل أحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد تألم الجذع لفراقه وشوقا إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
نعم حنَّ الجذع شوقا إليه ، وألما من فراقه ، وقد ورد ذلك ـ كما قال الحافظ ابن كثير ـ من حديث جماعة من الصحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة الشأن وفرسان هذا الميدان .

عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ : (
أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة ،
فقالت امرأة من الأنصار ـ أو رجل ـ : يا رسول الله : ألا نجعل لك منبرا ؟ ،
قال : إن شئتم . فجعلوا له منبرا . فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر ،
فصاحت النخلة صياح الصبي ، ثم نزل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضمه إليه
يئن أنين الصبي الذي يسكن ، قال : كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر
عندها
)رواه البخاري .
وفى رواية من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ولو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة ) رواه أحمد .

قال العلامة تاج الدين السبكي : " حنين الجذع متواتر ، لأنه ورد عن جماعة من الصحابة ، إلى نحو العشرين ، من طرق صحيحة كثيرة تفيد القطع بوقوعه " ، وقال القاضي عياض في الشفاء : " إنه متواتر " .
وكان الحسن البصري إذا حدث بحديث حنين الجذع
يقول : " يا معشر المسلمين : الخشبة تحن إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و
سلم ـ شوقاً إلى لقائه ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه " .

لقد رافقت الدعوة المحمدية من مهدها العديد من الدلائل والمعجزات الدالة
على صدق الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكان أعظمها على الإطلاق القرآن
الكريم ، إلا أنه لا يمكن لمنصف تجاهل باقي المعجزات الحسية والأمور
الخارقة للعادة التي شهدها الصحابة الكرام ورووها لمن بعدهم ، فكان لها
الأثر البالغ في زيادة إيمانهم وتثبيت يقينهم في تلك الظروف الصعبة ،
وتكالب أهل الباطل من المشركين واليهود والمنافقين، وستظل هذه المعجزات على
مر الدهور والعصور شاهدة على صدق نبوته ، وعلو قدره ورفعة منزلته
[/size] .