إن الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله
من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً
عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم
بإحسان الى يوم الديـــن وسلم تسليما كثيرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منزلة الإسناد واختصاص الأمة به
الكاتب: د./ عبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي
حث الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة على أن يأخذ كل منها العلم عمن فوقه ،
ويبلغه من دونه ، إذ في ذلك بقاء العلم وإظهاره ، ومعرفة أحكام الدين
والعمل بها .
يقول صلى الله عليه وسلم : " تسمعون ، ويسمع منكم ، ويسمع ممن يسمع منكم " (1).
ويقول : " بلغوا عني ولو آية . . . " (2)
ويقول : " نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه ، حتى يبلغه عنا كما سمعه ، فرب حامل فقه غير فقيه " (3) ، وفي رواية : "
ورب
حامل فقه إلى من هو أفقه منه " ، وفي رواية : " فرب مبلغ أوعى له من سامع "
، وقال في حجة الوداع : " ليبلغ الشاهد الغائب ، فإن الشاهد عسى أن يبلغ
من هو أوعى له منه" (4).
وقد لوفد عبد القيس : " احفظوه وأخبروا به من وراءكم " (5).
وهو
- صلى الله عليه وسلم- إذا كان قد حث الأمة على السماع والإسماع ، اللذين
هما حصن أمان للسنة من أن يضيع منه حرف ، فإنه أيضا وضع لها الحصن الذي
يحفظها من أن يزاد فيها حرف ، فحذر من الكذب عليه ، ومن رواية المكذوب ،
وعن الكاذب ، مبينا أن هذا النوع من الكذب ليس كأي كذب ، وإنما هو كذب في
دين الله ، إثمه أعظم والعقوبة عليه أشد .
أخرج الإمام مسلم (1/51ـ 59) عن سمرة بن جندب ، وعن المغيرة بن شعبة ، قالا :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب ؛ فهو أحد الكاذبين " روى بفتح الباء الموحدة وبكسرها .
وعن علي رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تكذبوا على ، فإنه من يكذب علي يلج النار" .
وعن أنس أنه قال : إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" من تعمد على كذبا ؛ فليتبوأ مقعده من النار".
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كذب على متعمدا ؛ فلتبوأ مقعده من النار" .
وعن المغيرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" إن كذبا على ليس ككذب على أحد ، فمن كذب علي متعمدا ، فلتيبوأ مقعده من النار".
وبين القرآن الكريم أن الخبر المقبول إنما هو خبر العدل ، أما خبر الفاسق فلا ، قال سبحانه :
{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ... } الآية
وقال : { وأشهدوا ذوي عدل منكم }
فدلت
الآية الأولى على وجوب التبيين والكشف عن خبر الفاسق ، ودلت الثانية على
الاعتماد على خبر العدل ، وهي وإن كانت في الشهادة ، فالخبر وإن فارق معناه
معنى الشهادة في بعض الوجوه ، فإنهما يجمعان في أعظم معانيهما . " راجع
مقدمة صحيح الإمام مسلم " .
ومن هذين ـ الحث على السماع ،
والإسماع ، والرواية عن العدول فقط ، كان علم الإسناد ، واهتمت به الأمة
اهتماما منقطع النظير ؛ لإدراكها أنه أساس حفظ هذا الدين .
قال عبد الله بن المبارك : ( الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ) ، وقال : ( بيننا وبين القوم القوائم ) يعني :
الإسناد . " مقدمة مسلم".
وقال محمد بن سيرين : ( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذونه). "مسلم والكفاية ص 196" .
وقال الضحاك بن مزاحم : ( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذونه ). " كفاية ص 196".
وقال طاووس : ( إن كان صاحبك مليا ـ أي يعتمد عليه بأن يكون عدلا ضابطا ـ فخذ عنه ) ." مقدمة مسلم".
وقال مالك : ( اتق الله ، وانظر ممن تأخذ هذا الشأن ) . " كفاية ص 196".
وقال القاضي أبو بكر بن العربي المعافري :
( والله أكرم هذه الأمة بالإسناد ، لم يعطه أحدا غيرها ، فاحذروا أن تسلكوا مسلك اليهود
والنصارى ، فتحدثوا بغير إسناد ، فتكونوا سالبين نعمة الله عن أنفسكم ، مطرقين للتهمة إليكم ، وخافضين لمنزلتكم ، ومشتركين مع قوم
لعنهم الله وغضب عليهم ، وراكبين لسنتهم" .
.................................
المراجع والحواشي السفلية
1ـ أخرجه ابن حبان وأبو داود وأحمد عن ابن عباس .
2ـ أخرجه البخاري والترمذي وأحمد عن عبد الله بن عمرو
3ـ أخرجه ابن حبان والترمذي وأبو داود وأحمد عن زيد بن ثابت .
4ـ أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة .
5ـ أخرجه مسلم عن ابن عباس
=======================
من كتاب : علم الجرح والتعدبل ( قواعده وأئمته )
20:27 |