السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله
من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً
عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم
بإحسان الى يوم الديـــن وسلم تسليما كثيرا
عن أبي هريرة ـ رضى الله تعالى عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
"
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه "
رواه البخاري ومسلم (1).
تخريج الحديث : ـ
هذا الحديث
خرجاه من طرق عن أبي هريرة ، وفي بعض ألفاظها : "فلا يؤذ جاره " ، وفي بعض
ألفاظها : "فليحسن قرى ضيفه" ، وفي بعضها : "فليصل رحمه" بدل ذكر الجار،
وخرجاه أيضا بمعناه من حديث أبي شريح الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة وابن مسعود
وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاري وابن عباس وغيرهم من الصحابة ـ رضى
الله عنهم .
ترجمة الراوي : ـ
سبق التعريف به في الأحاديث : التاسع ، والعاشر ، والثاني عشر .
دروس وعبر من كلام سيد البشرـ
العقائدية
إن
الإيمان بالله واليوم الآخر لا يتوقف على مطلق التصديق ، بل يتعداه إلى
العمل بمقتضى هذا الإيمان ، ومن أهم هذه المقتضيات التي يجب أن يجسدها
المؤمن في حياته اليومية إمساك لسانه ، إنها الحقيقة التي يجب أن نؤكد
عليها دوما ، قال تعالى : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [ ق :
18].
وعن أبي هريرة رضى الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"
إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقى لها بالا يرفع الله
تعالى بها درجاته ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقى
لها بالا يهوي بها في جهنم " (2).
الفقهية
الضيافة
من شيم العرب الأقحاح ، ومن آداب الإسلام ، وخلق النبيين والصالحين ، وقد
ذكر الشيخ أحمد بن حجازي الفشني في شرحه للأربعين النووية تأويلات عدة
لحديث يوجب الضيافة صدر به حديثه فقال : وقد أوجب الضيافة ليلة واحدة الليث
بن سعد رضى الله عنه ، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : "ليلة الضيف حق
واجب على كل مسلم " وحمله عامة الفقهاء على الندب وأنها من مكارم الأخلاق
ومحاسن الدين لقوله صلى الله عليه وسلم في الضيف وجائزته يوم وليلة ،
والجائزة العطية والمنحة والصلة ، وذلك لا يكون إلا مع الاختيار وقل
استعمالها في الواجب ، ومما يدل على الندب اقتران الأمر بها بالأمر بإكرام
الجار، وتأول بعضهم الأحاديث على أنها كانت في أول الإسلام إذ كانت
المواساة واجبة أوكان ذلك للمجاهدين في أول الإسلام لقلة الأزواد ، أو على
التأكيد كقوله : "غسل الجمعة واجب" (3).
واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في الضيافة على من تجب : هل على سكان الحاضرة والبادية ؟ أم على أهل البوادي فحسب ؟
فذهب الإمامان ، الشافعي ، ومحمد بن الحكم إلى أنها على الحاضر والبادي.
وذهب مالك وسحنون إلى أنها على أهل البوادي ؛ لأن المسافر يجد في الحاضر المنازل والفنادق ومواضع النزول وما يشتري من الأسواق (4).
الاجتماعية
أ
ـ إن الإنسان بطبيعته مدني بالطبع لا تقوم حياته ولا تستقيم معيشته إلا
بالتكافل الاجتماعي ، وها هو الإسلام نفسه الذي هو دين الفطرة التي فطر
الله الناس عليها يحث على احترام الجار ، ويعمل على تقوية الروابط
الاجتماعية بين الجيران ؛ ليكون مجتمعا متظافرا متكاتفا متآلفا بغض النظر
عن جنسية الجار أو دينه أو مذهبه ومعتقده لأنك إن لاطفته وعاملته معاملة
الجار المسلم فإنه إن لم ينجذب لهذا الدين الحنيف وينضم لجماعة المسلمين
فسيمنع المجتمع الإسلامي شروره ودسائسه .
ب ـ وإذا أدرك المؤمن أنه
بالكلمة الطيبة يصلح بين المتخاصمين ، ويقارب بين المتباعدين ، وأن كلمته
تلك تلتئم بها الجراح ، وسيجنى منها كل الفلاح ، فإنه لا يقول إلا خيرا ،
ولا يطلق العنان للسانه حرا طليقا ، بل يقيده بلجام التعقل.
السياسية
إذا
كان الجار هو من جاورت داره دارك إلى أربعين دارا من كل جانب ، وكذلك من
جاور حقله حقلك إلى أربعين حقلا من كل جانب ، ومن جاور متجره متجرك إلى
أربعين متجرا من كل جانب أيضا .
وكذلك الجيرة بين الأقطار ومن تتاخم
حدود بلده حدود بلدك ، قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام : { ثم لا
يجاورونك فيها إلا قليلا } [الأحزاب:60] وها هو الإسلام دين الأمن والسلام
يدعو إلى صيانة الجار والحفاظ على شخصه وكرامته ومراعاة شعوره سواء أكان
الجار مسلما أو يهوديا أو نصرانيا فالجار هو الجار قال تعالى : { واعبدوا
الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين
والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب} [النساء :36].
وقال
سبحانه : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من
دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } [الممتحنة :8].
والمعاصي
كلها شنيعة ولكنها في حق الجار أشنع ؛ قال لأصحابه : "ما تقولون في الزنا ؟
" قالوا : حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن
يزني بامرأة جاره " ، ثم قال : " ما تقولون في السرقة ؟ " قالوا : حرام
حرمها الله ورسوله فهي حرام إلى يوم القيامة ، فقال صلى الله عليه وسلم :
"لأن يسرق الرجل من عشر أبيات أيسر عليه من أن يسق من بيت جاره " (5).
وقال
أيضا : " والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ! " قيل : يا
رسول الله ، لقد خاب وخسر من هو ؟ قال : " من لا يأمن جاره بوائقه " قالوا :
وما بوائقه ؟ قال : "شره" (6).
وقوله صلى الله عليه وسلم : " من آذى
جاره فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن حارب جاره فقد حاربني ، ومن
حاربني فقد حارب الله عز وجل"(7). حبذا لو اقتنع كل مسلم بحقوق جاره عليه
وأداها على الوجه الأكمل، وتعهد كل قطر ( بجيرانه ، وحماهم ، وأعانهم في
حوائجهم لعاش العالم الإسلامي في رخاء وهناء.
ولكن ـ ويا أسفاه ـ لا
نكاد نعثر على بلد يسمح حتى لهبوب الرياح عليه من جيرانه المسلمين ، بل
ويتقوى بأعداء الإسلام ويحتمي بهم ليرهب جيرانه وإخوانه، ويكرس كل شوكة
ليغرسها في أجسادهم . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
الاقتصادية
أ
ـ قوله صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا
أو ليصمت" . واللغو والخوض فيما لا يعني أكيد أنه من الكلام الذي يستحسن
الصمت عنه ،وقد بلينا بكثرة الاجتماعات ، والقرارات ،والتوصيات ، وحرب
البيانات في الوقت الذي تعشش البوم والغربان في المعامل ، والمصانع ،
والهيئات والمؤسسات ، فهل نفلح ـ إذا كانت كل أوقاتنا مهدورة ـ فيما سبق ـ
في تقدمنا ونجاحنا في تحرير العيش المرهون ؟ قال تعالى : { قد أفلح
المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو معرضون }
[المؤمنون :1ـ3].
ب ـ تصور معي ـ مجرد تصور ـ أنه لو كان ثمة تكافل في
المجتمعات الإسلامية اليوم ، يتعهد الجار الغني الموسر جاره الفقير المعسر ،
ويمن عليه مما أغدق الله عليه ، فهل يبقى لهذه الطبقية المتباينة أثر ؟
كلا وربي . روى الطبراني ـ رحمة الله عليه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم :
" ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم " .
تطبيق
1ـ لا خير في مدنية تزاحم الحاتمية في حواضر بعض المدن الإسلامية وتستبدل أهلها بالمروزيين (6).
فأضحى
الضيف نزيل الفنادق والمطاعم ، وانحسرت الضيافة على أهل القيادة وأصحاب
السيادة الذين هم أغنى الناس عنها ، ولكن تزين لهم الموائد وتصف لهم
المناضد . . . فهل هذا من قبيل الكرم في شئ ؟ اللهم لا . . . إنه في كثير
من الأحيان التملق والتزلف ، والمباهاة . . . وانقلب أرباب الموائد طلابا
للفوائد .
2ـ بلغت ديون العالم العربي في الثمانينات من هذا القرن
مائتي مليار دولار.....فأعناقه مغلولة ترسف في أغلال المديونية . . . بيد
أن مدخرات الأثرياء في مصارف الغرب تجاوزت ستمائة مليار دولار !! . . . ثم
هم يمنون عليك وعلى الإسلام ؛ لأنهم طبعوا مصحفا وحفروا بئرا . . . و . . .
و . . . ببضعة ملايين لا تقارب معشار زكاتهم بله عن الفوائد الربوية التي
يتركونها للبنوك ورعا وتقوى !!
****
المراجع والهوامش
1ـ من كان يؤمن : أي من كان يؤمن إيمانا كاملا ، أو هو محمول على المبالغة ، وذلك للحث على الاتصاف بتلك الصفات .
خيرا : الخير اسم جامع لما فيه نفع ديني أو دنيوي .
جاره : قيل : إن الجار هو من جاورت داره دارك إلى أربعين دار من كل جانب.
2ـ رواه البخاري.
3ـ المجالس السنية في علم الحديث ، شرح الأربعين النووية لأحمد بن حجازي الفشني ص 45 ، ط : مصر .
4ـ هذه الأحكام أوردها الإمام النووي نفسه في شرحه للأربعين ص 44 ، ط : دار البعث ، الجزائر.
5ـ رواه الإمام أحمد.
6ـ رواه البخاري.
المصدر:هدي الإسلام