تاريخ اليمن الإسلامي هو التاريخ الذي يتناول الفترة من دخول الإسلام إلى اليمن في القرن السابع الميلادي وحتى سقوط الخلافة العثمانية وقيام الدولة القطرية.
إعتنقت القبائل اليمانية الإسلام في القرن السابع الميلادي بعد أن أرسل النبي محمد علي بن أبي طالب إلى صنعاء فأسلمت قبيلة همدان كلها في يوم واحد وسجد النبي لإسلامهم قائلا :"السلام على همدان، السلام على همدان"[1] [2] وبني الجامع الكبير بصنعاء على أحد البساتين على مقربة من قصر غمدانالسبئي القديم الذي كان مقراً لزعماء قبيلة همدان فترة الحرب الأهلية الطويلة بين مملكة سبأ ومملكة حمير[3] ولا زالت بعض أبوابه وأعمدته تحوي كتابات بخط المسند[4]
وأسلمت حمير وأرسل الحِميريين رسولا يدعى مالك بن مرارة الرهاوي إلى النبي يبلغونه بإسلامهم فأرسل إليهم كتاباً يخبرهم فيه بدفع الصدقات إلى معاذ بن جبل ومالك بن مرارة[5]وحضرموت التي وفد كبير الأقيال فيها وائل بن حجر بعد إرسال النبي محمد كتابا وأرسل النبي محمد معاذ بن جبل إلى اليمن ونزل في تعز (مخلاف الجند) وأوصاه قائلا [6]
وفد الأشعث بن قيس الكندي وعمرو بن معديكرب الزبيدي على النبي ووفد قبلهم بنو تُجيَّب من كندة في السنة التاسعة من الهجرة ووفد حجر بن عدي الكنديصغيراً على النبي مع أخيه هانئ [10] ووفدت خولان وقبائل نهد والنخع من مذحج والأشاعرة قوم أبو موسى الأشعري الذين كانوا يرتجزون قبيل قدومهم :"غدا نلتقي الأحبة محمد وحزبه " فقال النبي محمد فيهم [11] :قدم أحد زعماء مذحج وهو فروة بن المسيك المرادي على النبي محمد وأعلن إسلامه وإستعمله النبي على صدقات قومه وأرسل معه خالد بن سعيد بن العاص [7] أورد الرواة أن رجلا يدعى الأسود العنسي إدعى النبوة وكان من مذحج. سيطر العنسي على صنعاء ونجران والإحساء وطرد معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري [8] عين العنسي أمراء تابعين له كانوا معاوية ابن قيس ويزيد بن محرم الحارثي ويزيد بن الأفكل الأزدي وقيس بن عبد يغوث إلا أن قُتل بعد مكيدة دبرها فيروز الديلمي ووقيس بن مكشوح المرادي [9]
| جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة وأضعف قلوبا ، الإيمان يمان والحكمة يمانية | |
| فقوله يبين مقصود الحديث فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى حتى يظن ذلك ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه الذين قال فيهم: " من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ".وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية سئل عن هؤلاء فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري. وجاءت الأحاديث الصحيحة مثل قوله أتاكم أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة الإيمان يماني والحكمة يمانية. وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة وفتحوا الأمصار فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات ومن خصص ذلك بأويس (يقصد أويس القرني المرادي) فقد أبعد | |
قسم الخلفاء الراشدون بلاد اليمن إلى أربع مخاليف هي مخلاف صنعاء (يشمل نجران [13]) ومخلاف الجند (وسط اليمن) ومخلاف تهامة (يشمل مخلاف جرش) ومخلاف حضرموت وكان عهدهم مستقراً في اليمن ولا يعرف الكثير من هذه الفترة وحتى أواخر القرن التاسع الميلادي ولكن المصادر التاريخية حافلة باليمنيين أنفسهم. إشتركوا في الفتوحات الإسلامية وأرسل أبو بكر الصديق أنس بن مالك إلى اليمن يدعوهم للقتال في الشام[14] وأرسل أنس بن مالك كتابا إلى أبي بكر يخبره بإستجابة أهل اليمن وقدم ذو الكلاع الحميري ومعه بضعة آلاف من قومه [15] [16] لعبت القبائل اليمانية دورا مفصلياً خلال الفتوحات الإسلامية أيام الخلفاء الراشدينعندما خرج سعد بن أبي وقاص من المدينة قاصداً العراق على رأس أربعة آلاف مقاتل، ثلاثة آلاف منهم كان من اليمن [17] كان عدد مقاتلي مذحج في معركة القادسية ألفين وثلاثمائة مقاتل من أصل عشرة آلاف [18] [19] قائدهم مالك بن الحارث الأشتر النخعي وشاركت حضرموت بسبعمائة مقاتل [20] وكان عمرو بن معد يكرب الزبيدي على ميمنة سعد بن أبي وقاص في تلك المعركة [18] [19] وإشتركت المعافر وخولان وعكوالأشاعرة وتُجيَّب وهمدان في فتوحات مصر وشمال أفريقيا والأندلس وإستوطنت همدان وحِميَّر فيالجيزة[21] فقد أشرف على تخطيط الفسطاط أربعة هم معاوية بن خديج التُجيَّبي وشريك بن سمي الغطيفي من مراد مذحج وعمرو بن قحزم الخولاني وحيويل بن ناشرة المعافري وجل القبائل القاطنة في الفسطاط كانت يمانية [22] وخلال دولة الأمويين إنقسموا بين الفريقين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان فكانت همدان بجانبعلي في كل معاركه في صفين والجمل ومع إبنه الحسين بن علي في كربلاء [23] [24][25] وكذا غالب مذحج أما كندة فكانت أحد أهم القبائل التي اتكل عليها الأمويون إذ كانت كندة من أهم ركائز جند فلسطين وجند حمص وإن كان أفراد منهم متشيعين مثل حجر بن عدي [26]
ناصرت بعض القبائل اليمنية الدعوة العباسية في بدايتها [27] وإستقلت البلاد عن دولة الخلافة عام 815 وقامت عدة دويلات في أرجاء البلاد لأسباب مذهبية وقبلية فقامتدولة بني زياد ومؤسسها محمد بن عبد الله بن زياد الأموي عام 818 وكانت دولة تابعة إسمياً لمركز الخلافة في بغداد وبسطت نفوذها من حلي بن يعقوب جنوب مكةمروراً بمخلاف جرش (عسير) وحتى عدن وإتخذوا من زبيد في الحديدة عاصمة لهم[28]بينما قامت دولة بنو يعفر ومؤسسها يعفر بن عبد الرحمن الحوالي وهوحِميَّري[29] عام 847 في صنعاء وماجاورها من الأرياف والجوف والمنطقة الجبلية مابين صعدة وحتى تعز [30] وسقطت صعدة بيد الإمام يحيى بن الحسين عام 898[31] تمكن المولى الحسين بن سلامة من الحفاظ على دولة أسياده بني زياد والتصدي لعبد الله بن قحطان الحِميري ولكن الحِميَّري تمكن من إحراق زبيد [32] وقُتل إبراهيم بن عبد الله بن زياد آخر أمراء آل زياد من قبل مواليه نفيس ونجاح الذين أسسا دولة بني نجاح على أنقاض دولة بني زياد في تهامة وحظوا بدعم مركز الخلافة في بغداد[33]
ظهر علي بن محمد الصليحي الحاشدي مؤسس الدولة الصليحية الذي خاض معارك عديدة مع الأئمة الزيدية والنجاحيون في تهامة والقوى القبلية المختلفة في صعدةمرورا بالمناطق الوسطى إلى عدن و حضرموت وتمكن من جمع بلاد اليمن تحت حكم دولة واحدة فكان أول من حقق ذلك بعد الإسلام وإتخذ من صنعاء عاصمة للبلاد[34] وتمكن علي بن محمد الصليحي من ضم مكة عام 1064 [35] إنتقلت العاصمة إلى جبلة أيام الملكة أروى بنت أحمد الصليحي ورغم أن الصليحيين كانواإسماعيلية إلا أنهم لم يحاولوا فرض مذهبهم [36] [37]
عام 1138 توفي السلطان سليمان بن عامر الزراحي آخر سلاطين الصليحيين وإستقلت المناطق بما فيها صنعاء التي سيطرت عليها ثلاث أسر من همدان وإستقلت عدنوعليها بنو زريع وهم من قبيلة يام من همدان كذلك وكان المكرم الصليحي من ولاهم إياها [38] وعاد النجاحيون لفترة قصيرة إلى تهامة إلا أن علي بن مهدي الحِميَّريقضى عليهم وفرض عليهم نمط حياة معين وعزلهم عن المجتمع عام 1154 فكانت تلك بداية ظهور فئة من المواطنين اليمنيين في العصر الحديث يعرفون بالأخدام [39][40] سيطر بنو مهدي على أراضي السليمانيين في جيزان وتعز وإب فتحالف بنو زريع مع حكام صنعاء وتمكنوا من هزيمة المهديين عام 1174.
سهل التشرذم السياسي على الأيوبيين دخولهم اليمن وهناك عدة أسباب وراء محاولتهم ضم اليمن، قوة بني مهدي في تهامة والخوف من سيطرتهم على مكة [41] وتأمين الطريق التجارية عبر اليمن فترك اليمن مقسما لعدة دويلات كان من شأنه تعريض التجارة الدولية للخطر [42] [43] بسط الأيوبيين بقيادة توران شاه بن أيوب سيطرتهم على سائر تهامة اليمن والحجاز وإقتحموا زبيد وقضوا على دولة بنو مهدي الإباضية وسيطروا على تعز وجبلة وعدن وحضرموت فما أن علم حكام صنعاء بقدوم الأيوبيين هدموا أسوارها تحصنوا بحصن براش قرب المدينة وسبب تدميرهم للأسوار أنهم علموا أن تدمير السور سيكلف الأيوبيين إعادة بنائه والإنشغال عن باقي اليمن ففطن توران شاه لذلك وترك صنعاء وإتجه نحو تعز وجعلها عاصمة له [44] وسبب إختياره لتعز كان لضيقه من جو زبيد التهامية الحارة [45] خرجت حضرموت ضد الأيوبيين بعد خمس سنوات من دخولهم اليمن فاقتحم الأيوبيين تريم وشبام ولكنهم صالحوا السلطان عبد الباقي بن دغار على إتاوة سنوية لقاء إبقائه حاكماً [46]
إنشغال توران شاه باليمن كان على حساب سلطته في مصر فطلب من أخيه العودة إلا أن صلاح الدين الأيوبي عينه حاكماً على سورية [47] أرسل صلاح الدين الأيوبيأخاه سيف الإسلام طغتكين فأعاد السيطرة على كامل البلاد من جديد وبقيت مناطق الزيدية عصية بعض الشي إلا أنه بفضل سياسته العادلة تمكن من بسط نفوذه على البلاد بالإضافة إلى أن الأحقاد بين زعماء القبائل منعتهم من توحيد موقفهم إزاء الأيوبيين [48] توفي طغتكين وحكم بعده إبنه المعز ولكنه جابه ثورة من الأئمة الزيدية وإنفصل المعز باليمن عن مركز الدولة في مصر فحارب الأئمة وإنشق الكثير من جنده عنه وأغلبهم أوغوز وحالفوا الزيدية تواصلت التمردات فانتشرت في ذمار وتعزوتضعضع حكم الأيوبيين كثيراً فلم ينتهوا من إخضاع منطقة حتى تتمرد أخرى [49] كان الأيوبيين في مصر حريصين على إستتاب الحكم في اليمن فأرسلواالمسعود بن الكامل المعروف بـ"صاحب اليمن" فنزل تعز ووالته القبائل ضد الإمام الزيدي عبد الله بن حمزة وسيطر على عدن و ذمار وشبام كوكبان وبقيت صعدة عصية على المسعود وتنازع هو والأئمة علىصنعاء إلى أن صالحهم عام 1219[50] ثم ثار الزيدية من جديد وقاتلوا الأيوبيين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة عام 1226 وأجلوا عن البلاد[51]يمكن تلخيص حكم الأيوبيين في اليمن (1180 -1226) بأنه كان مستقرا في المناطق الوسطى والجنوبية لإن سكانها كانوا يدينون بمذهب الأيوبيين الديني وهم سنة عكس المناطق الزيدية التي كانت سبباً في إرهاقهم وإرهاق غيرهم من الدول كما يظهر في دولة العثمانيين [52]
تمكن عمر بن رسول من تأسيس الدولة الرسولية عام 1229 وتمكن من توحيد البلاد من جديد وبقيتتعز عاصمة فامتدت حدود دولته من ظفار إلى مكة[53] يعتبر العصر الرسولي واحد من أزهى الفترات في بلاد اليمن فقد أقروا الحرية المذهبية والدينية [37] حتى الرحالة ماركو بولو أشاد باليمن خلال هذه الفترة ونشاطها التجاري والعمراني وكثرة القلاع والحصون بالبلاد [54] فكان عهد دولة الرسوليين من أفضل العصور التي مرت على اليمن بعدالإسلام [55] وهي من أطول الدول اليمنية عمراً طيلة تاريخ البلاد بعد الإسلام وبنو قلعة القاهرة بتعز وجامع ومدرسة المظفر ولعدد من ملوكهم مؤلفات في الطب والصناعة واللغة[56] [57]
قامت دولة الطاهريين عام 1454 وحاولوا محاكاة الرسوليين ولكنهم لم يكونوا بنفس الإقتدار مع ذلك بنو المدارس وقنوات الري وخزانات المياه في زبيد وعدن ومدينتهمرداع بعضها لا يزال قيد الإستخدام مثل المدرسة الأميرية في رداع. واجه الطاهريون ثلاث مشاكل تهدد حكمهم هي الخلافات الداخلية بين الأسرة ، القبائل المتمردة التي كانوا يعتمدون عليها لجبي الضرائب والتهديد المستمر من الأئمة الزيدية في صعدة وصنعاء [58] سيطر الطاهريون على معظم البلاد وبقيت مناطق الزيدية عصية عليهم إذ هُزم جيش الطاهريين أمام الإمام المطهر بن محمد عام 1458 [59]إستمر حكم الطاهريين حتى العام 1517 وكان وسط وجنوب البلاد مستقراً إلا أن سقطت حضرموتبيد السلطنة الكثيرية أواخر القرن الخامس عشر ميلادي بالإضافة لتهديد الإمبراطورية البرتغالية التي هاجمت عدن في نفس الفترة وتمكن الطاهريون من صد البرتغاليين عن عدن ولكنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على جزيرة سقطرى من القوات البرتغالية. أدرك المماليك في مصر حجم الخطر فأرسلوا قواتا بقيادة حسين الكردي الحاكم المملوكي على جدة في تهامة الحجاز. لكن الأمير الطاهري الظافر الثاني رفض معاونة الكردي فتعاون قائد جيش المماليك مع الإمام الزيدي المناوئ للطاهريين المتوكل شرف الدينوإستخدموا البارود والمدافع فتمكنوا من دحر الطاهريين من تعز ورداع ولحج وأبين التي سقطت بيد المتوكل شرف الدين[60] وهكذا إكتمل سقوط دولة الطاهريين وبقيت لهم سيطرة على عدن حتى عام 1539 بقدوم خادم سليمان باشا الحاكم العثماني على مصر وسيطرته على المدينة [61] بسط العثمانيون سلطتهم على الموانئ مثل عدن والمخاوالحديدة والسهول وجابهوا ثورات عديدة من الأئمة الزيدية في المرتفعات من بداية وصولهم[62]
صور:
الجامع الكبير بصنعاء من الداخل
مسجد الجند، ثاني أقدم مسجد في اليمن بناه معاذ بن جبل قربتعز بأمر من النبي محمد و يحرص اليمنيون على إرتياده في أول جمعة من شهر رجب كونها أول جمعة خطب فيها معاذ من خلال منبره
زبيد المصنفة ضمن مواقع التراث العالمي
صعدة معقل الأئمة الزيدية