يحكى أن فتى ذكيا شجاعا اسمه " الشاطر حسن " كان يعيش مع والده التاجر.
وذات يوم، عزم الأب على السفر في رحلة طويلة، فقال لأبنه: " إذا تأخرت في سفري، فاجلس فوق هذا البساط، واطلب منه أن يحملك إلى نخلتين فوق الجبل".
ومرت الأيام، وطالت غيبة الوالد، ولم يبق من النقود التي تركها لابنه شئ،
فأخذ الشاطر حسن ما تبقى في البيت من بيض وخبز، وجلس فوق البساط، وقال:
" أيها البساط ، احملني الى النخلتين فوق الجبل".
وسرعان ما ارتفع به البساط في الهواء، وطار ساعات طويلة، ثم هبط عند نخلتين متجاورتين ، ترتفعان وحيدتين فوق الجبل.
استقر حسن بجوار النخلتين. وأخذ يتلفت حوله فلم ير غير السماء وصخور الجبل؟، فسأل نفسه: " لست
أدري لماذا اختار أبي أن يحملني البساط إلى هاتين النخلتين؟"
أخذ يتأمل الطبيعة من حوله ، فلم ير شيئاً يثير الانتباه. وعندما أقبل الليل، واشتد البرد، تسلق إحدى النخلتين، ونزع بعض السعف الجاف، وأشعل ناراً صغيرة ليتدفأ بها. ثم قرر أن يتعشى ويستريح قليلاً، وفي الصباح يحاول أن يستكشف المنطقة من حوله.
وفجأة، شاهد شيئاً يتحرك من بعيد، أخذ يدقق النظر إليه، فتبين أنه رجل قصير يقترب ناحيته. وشيئا فشيئا، اتضح شكل الرجل. كان أخضر اللون ، أخضر الملابس، يمسك في يده عصا خضراء. وعندما اقترب الرجل الأخضر من حسن، حياه ثم قال:
" هل تسمح أن أجلس معك قرب النار؟ إنني أشعر بالبرد"
رد الشاطر حسن في ترحيب: " أهلا وسهلا ... تفضل اجلس".
قال الرجل القصير الأخضر وهو يجلس بجوار الشاطر حسن: " أشكرك".
وأخذ الشاطر حسن يشوي بعض البيض الذي أحضره معه، كما أخرج رغيفاً من الخبز لتسخينه على النار.
التفت حسن الى الرجل القصير الأخضر وقال:
" تفضل بيضة .. شاركني هذا الطعام البسيط".
قال الرجل القصير الأخضر :
" ليس معك يا بني الا طعام قليل، والمكان بعيد عن العمران، فاحتفظ بالطعام لنفسك".
وظهرت رنة غضب وعتاب في صوت حسن، وهو يمد يده بالبيضة وجزء من الرغيف الى الرجل الأخضر وقال:
" ما يكفي رجلا، يمكن أن يكفي رجلين، تفضل مما أعطاني الله".
وبغير أن يتفوه الرجل القصير بكلمة، مد يده، وتناول الخبز والبيضة وأخذ يأكل في صمت. ثم استلقى الرجلان، واستغرقا في النوم.
وعندما طلع النهار، قال الرجل الأخضر: " أشكرك يا شاطر حسن على حسن ضيافتك لي .. لقد تدفأت بنارك، وأكلت من طعامك". قال الشاطر حسن: " وأنا أشكرك لأنك آنستني، وقضيت معي هذه الليلة".
قال الرجل الأخضر:
" هل صعدت فوق هاتين النخلتين؟ "
قال الشاطر حسن:
" صعدت فوق احداهما لإحضار بعض السعف الجاف، وأشعلت به النار". قال الرجل القصير الأخضر:
" لأجل طيبة قلبك وكرمك، وعطفك على الغرباء، سأنصحك نصيحة:
اذا أردت أن تنام فلا تفعل ذلك على الأرض عند جذع النخلتين، بل اصعد ونم بين السعف".
ودهش الشاطر حسن لهذه النصيحة الغريبة. وقبل أن يستفسر عنها، كان الرجل الأخضر قد ابتعد مسرعا كأنه الريح، وغاب عن عينيه.
قضى الشاطر حسن الصباح في ظل النخلتين، وعند الظهر، صعد فوق احداهما لينام، وكان ثمرها أصفر لم يكتمل نضجه.
وأخذ الشاطر حسن يسوي لنفسه مكانا يجلس فيه بين سعف النخلة.
وفجأة سمع رنين شئ سقط واصطدم بصخر الجبل. فتطلع من مكانه فوق النخلة، فرأى شيئاً مستديراً يعكس شعاعاً أصفر لامعاً، وفجأة صاح حسن: " يا إلهي.. هذه قطعة ذهبية!! من أين جاءت؟"
وتحرك الشاطر حسن يريد ليأخذها، فسمع رنين قطعة أخرى تسقط فوق الأرض، هنا أدرك حسن أنه عندما يتحرك فوق النخلة، تسقط على الأرض تلك القطع الذهبية الثمينة.
ومد يديه يبحث عن مكان تللك القطع بين سعف النخلة، فاصطدمت يده بشئ منتفخ مدسوس بين السعف.
تناول الشاطر حسن ذلك الشئ الذي عثر عليه، فوجده كيساً كبيراً من الجلد، تملأه القطع الذهبية الغالية. هنا أدرك سر نصيحة الرجل الأخضر ، وأسرع يضع كيس الذهب الثمين في حزامه، وأمسك البساط العجيب في يده، ونزل من فوق النخلة.
وفي أثناء نزوله، شاهد على البعد بيوتاً بعيدة لم يلحظها من قبل، فقد منعه ضوء الشمس الباهر من رؤيتها. وما أن سار بضع خطوات في طريقه إلى تلك المدينة، حتى توقف، وعاد مسرعاً إلى النخلة الثانية وتسلقها.
كان بلح هذه النخلة الثانية أحمر لم ينضج بعد، وما أن وصل حسن إلى قمتها، حتى أخذ يبحث بين أصول السعف. وفجأة أطلق صيحة فرح وانتصار. فقد عثر، كما توقع، على كيس جلدي آخر، مملوء بقطع الماس النادر، فأخذه ووضعه بجوار كيس الذهب في حزامه. ثم نزل، واتجه إلى المدينة التي شاهدها.
****************************************
ما أن اقترب حسن من أسوار المدينة، حتى شاهد حجارة على هيئة أجسام بشرية، وبالقرب منها امرأة عجوز تبيع الترمس ، فسألها: " من هؤلاء يا خالة ؟ " أشارت العجوز إلى أكوام مختلفة الحجم من الترمس وقالت: " هذا بقرش، وهذا بقرشين، وهذا بثلاثة قروش! ".
قال الشاطر حسن:" يا خالة.. أنا لا أسألك عن الترمس.. أنا أسألك عن هذه الحجارة التي على هيئة الناس! ".
أشارت العجوز ثانية إلى أكوام بضاعتها المصفوفة أمامها وقالت:" هذا بقرش، وهذا بقرشين، وهذا بثلاثة قروش!".
أخرج الشاطر حسن قطعة ذهبية كاملة ، وأعطاها للعجوز وهو يقول: " أنا أشتري بهذه القطعة ما أمامك من ترمس .. لكن أرجوك أجيبي عن سؤالي .." . عندئذ نظرت إليه العجوز وقالت: " ما الذي تسأل عنه؟"
قال:" ما هذه الأشكال الغريبة التي تملأ المكان خلفك ؟ "
قالت:" هؤلاء رجال طلبوا الزواج من الأميرة ابنة السلطان، ولما غلبتهم في المصارعة، حولتهم إلى قطع من الصخر".
أثارت هذه المعلومات دهشة الشاطر حسن وعجبه، وفي الوقت ذاته أثارت غيظه من تلك الأميرة الشريرة.
وانتظر حسن حتى حل الظلام، ثم جلس فوق البساط وقال:
" احملني إلى غرفة الأميرة". وفي لحظات، كان الشاطر حسن يطير عالياً ، تخفيه ظلمة الليل عن العيوم. واتجه البساط إلى نافذة الأميرة، واستقر داخل غرفتها.
في هذه اللحظة، كانت الأميرة تنظر في مرآتها. وعندما شاهدت الفتى الطائر يدخل من نافذتها، لم تصرخ، فقد كانت مشهورة بالجرأة والشجاعة، بل التفتت في ثبات، وتطلعت إلى حسن الذي كان يقف أمامها مبتسماً.
قالت:" اذا كنت قد جئت تخطبني، فلماذا لم تذهب إلى والدي ؟! "
تأمل الشاطر حسن جمال الأميرة، ثم قال:
" أمر غريب أن تكوني على هذا القدر من الرقة والجمال، ويكون قلبك بمثل هذه القسوة!"
قالت الأميرة في دهشة: " قسوة؟ أية قسوة ؟ "
قال الشاطر حسن : " هؤلاء الذين جاءوا يخطبونك حباً فيكي، فحولتيهم إلى قطع من الصخر الأصم !"
قالت في برود: " لقد اشترطت عليهم شروطا فقبلوها باختيارهم، فهل تعرف أنت تلك الشروط؟ "
قال: " يقولون إنك تجيدين المصارعة، وإنك قد تغلبت عليهم جميعاً في فنون هذه اللعبة ".
قالت : " وهل تجيد أنت المصارعة خيراً منهم؟ "
قال الشاطر حسن: " هيا نجرب "
وتماسك الفتى القوي الجرئ مع الفتاة الماهرة الماكرة يتصارعان، ورغم مهارة الأميرة الفائقة ، فقد تغلب عليها الشاطر حسن في وقت قصير، فاحمر وجه الأميرة من الخجل ، وقالت:
" لقد تعثرت قدمي في طرف الفراش.. هيا نقوم بجولة ثانية"
وشعر حسن في داخله أن الأميرة قد يكون لديها من الحيل ما يجعلها تتغلب عليه كما تغلبت على كثير من أمثاله. وكاد يرفض أن يدخل معها في جولة ثانية ، لكنها كانت أسرع من تفكيره، وانقضت عليه.
وفي هذه المرة هزمها حسن بأسرع مما فعل في المرة الأولى.
هنا تراجعت الفتاة، وأخذت تنظر في إعجاب إلى الشاطر حسن، ثم قالت: " قبل أن تذهب إلى والدي لتعلمه بفوزك علي، أخبرني ماذا ستقدم لي مهراً"
هنا تذكر حسن كيس الذهب وكيس الماس، فأسرع يخرجهما من حزامه، وينثر ما فيهما فوق سريرها وهو يقول:
" هل يكفيكي هذا مهراً؟ "
لكنه أحس، عندما أبعد الكيسين عن جسمه، كأنما القوة التي تغلب بها على الأميرة قد فارقته !!
ورغم أن الأميرة قد بهرها بريق الذهب والماس، فقد أطلقت ضحكة ساخرة وهي تقول: " هل هذا كل ما لديك، لتقدمه مهراً للأميرة، التي راح ضحيتها مائة شاب ؟! "
قال حسن : " وهل هذا بقليل ؟ "
قالت الأميرة، وهي تشير إلى الكيسين، وقد ألقاهما حسن على الفراش: " إنك لم تقدم لي إلا بعضا مما معك فقط، هل أنا لا أستحق كل ما في الكيسين؟ "
أثارت هذه الكلمات دهشة الشاطر حسن، فقد أفرغ كل ما في الكيسين من ذهب وماس، ولم يبق معه شئ، ونظر إلى حيث تشير الأميرة.
وكم كانت دهشته عندما وجد الكيسين ممتلئين مرة أخرى بالذهب وقطع الماس!!
هنا أدرك حسن سراً آخر من أسرار الكيسين، إنهما كلما فرغا يمتلئان من جديد ويبدو أن الأميرة أدركت من تعبيرات وجهه نفس الشئ، عندئذ ابتسمت في ود وترحيب، ودعت الشاطر حسناً أن يجلس على مقعد بجوارها.
وانطلقت الأميرة تحدث الشاطر حسناً كأنه صديق قديم، ثم أخذت تعزف له الموسيقى وتغني، فسمع منها أعذب الألحان وأجمل الأصوات.
ثم قامت لتصب له من إناء جميل بعضا من عصير البرتقال.
كان حديث الأميرة وغناؤها وعزفها قد أقنع الشاطر حسناً بأنها قد قبلته زوجاً لها، فنسى حذر، وتناول منها الشراب، وأخذ يشربه على مهل ويتذوق حلاوته في فمه.
أما الأميرة، فقد أخذت تنظر إليه نظرة غريبة لم يفهم في البداية معناها، لكنه سرعان ما أحس بجفونه تثقل، والكلام يخرج من فمه متقطعاً. وشيئاً فشيئاً تغلب عليه النوم، وفقد الوعي.
****************************************
وعندما أفاق وفتح عينيه، وجد نفسه ملقى على صخور الجبل، وقد تم تجريده من البساط الطائر، ومن الكيسين العجيبين، وبذلك فقد فرصته لإرغام الأميرة على إزالة اللعنة عن الرجال الذين حولتهم إلى أحجار وصخور. وهمس الشاطر حسن لنفسه في ضيق:
" كيف توقعت أن يتحول شر الأميرة وقسوتها إلى حب وطيبة؟
ليس من السهل أن يتحول الإنسان الشرير من الشر إلى الخير في لحظة واحدة ! "
وأخذ الشاطر حسن يفكر بغير توقف: كيف يمكنه أن يستعيد البساط والكيسين من الأميرة الشريرة ؟
لكنه أحس بالجوع، فتذكر النخلتين اللتين فوق الجبل، فقال لنفسه:
" سأذهب إليهما، فقد أجد في بلحهما ما يشبعني ".
سار الشاطر حسن وقتاً طويلاً، حتى وصل إلى النخلتين، ورفع عينيه إلى أقربهما إليه، فوجد بلحها الأصفر اللون قد ازداد حجمه حتى أصبح كحجم البرتقال. وملأته الدهشة لنمو البلح بهذه السرعة، وأسرع يتسلق النخلة، وتناول ثمرة وأكلها فوجد طعمها حلواً لذيذاً ، ثم نزل من فوق النخلة، واستلقى في ظلها لينام.
نام حسن بعض الوقت، وفي أثناء نومه، حاول أن يتقلب على جنبه، لكنه وجد شيئاً في جبهته يصطدم بالأرض، ويعوق حركته. ومد حسن يده يتحسس وجهه، فوجد قرنا كبيراً، كأنه قرن بقرة، ينمو فوق جبهته!
أحس الشاطر حسن بغيظ شديد لهذا الذي حدث له، ولم يفهم سبباً لتلك الكارثة التي حلت به.
لقد أصبح عاجزاً حتى عن العودة إلى المدينة، لكي لا يراه الناس وهذا القرن يبرز فوق جبهته !
جلس الشاطر حسن حزيناً يفكر في همه. وفجأة، شاهد الرجل الأخضر يقترب منه، وبسرعة حاول حسن أن يخفي جبهته بذراعيه، وأدار وجهه بعيداً عن الرجل الأخضر، لكن الرجل أطلق ضحكة لطيفة وقال : " لقد أحسست أنك في حاجة إلى من يساعدك، حدثني بصراحة عن كل ما حدث لك "
وعندما أخبره حسن بما حدث له، أشار الرجل إلى بلح النخلة الأخرى، وكان لونه قد أصبح أحمر قانياً، وقال له:
" لماذا لا تجرب الأكل من هذا التمر الأحمر ؟ " وما أن قال هذه العبارة، حتى ابتعد مسرعا كأنه الريح، وغاب عن الأنظار.
أسرع الشاطر حسن وصعد النخلة، وما أن أكل ثمرة حمراء، حتى سقط القرن من رأسه.
وهكذا عرف حسن أن أكل التمر الأصفر يتسبب في نمو القرون، وأن أكل التمر الأحمر يشفي من تلك القرون !
فرح الشاطر حسن فرحاً شديداً لهذا الاكتشاف، وأخذ يقول :
" أشكرك أيها الرجل الأخضر.. أشكرك". وقطع كمية كبيرة من سعف النخلة، صنع منها طبقاً واسعاً ، ملأه بالتمر الأصفر.
وبسرعة عاد إلى المدينة، وأخفى وجهه بشال عمامته، ووقف تحت شباك الأميرة ينادي على التمر الأصفر الجميل:
" أبيع التمر النادر.. أحلى تمر في العالم.. أكبر تمر في العالم".
واستمر ينادي كأنه يصرخ ، إلى أن أرسلت الأميرة إحدى وصيفاتها تنهره وتقول له: " سيدتي الأميرة تطلب منك أن تكف عن هذا الصراخ أيها البائع الكذاب، وأن تبتعد عن هنا ".
لكن الشاطر حسناً أسرع يعطي الوصيفة ثمرة صفراء كبيرة وهو يقول: " هذه هدية متواضعة لابنة السلطان العظيمة، خذيها إليها، فلم يسبق لمولاتي أن رأت تمراً في مثل هذا الحجم الكبير، أو مثل هذا اللون الذهبي، ستجد مولاتي طعمها حلواً مثل شكلها " .
وأثار شكل الثمرة الصفراء الجميلة دهشة واعجاب الوصيفة، فأسرعت بها إلى سيدتها.. وما أن ذاقت الأميرة قضمة من الثمرة، حتى أعجبها طعمها الحلو ، فالتهمتها كلها.
وأحست الأميرة بحاجتها إلى النوم، وعندما استيقظت أحست بشئ ينمو في وجهها ، فمدت يدها تتحسس جبهتها، فوجدت قرنا كبيراً قد نبت في رأسها !
أخذت الأميرة تصرخ وتبكي ، وعلم السلطان بالكارثة التي حلت بابنته ، بعد أن رفضت مغادرة حجرتها، كما رفضت أن تقابل أي انسان. وقال السلطان في نفسه : " هذا جزاء ما فعلته ابنتي بمن تقدموا لخطبتها ! " . ثم أعلن في كل أنحاء المملكة أن من يستطيع شفاء الأميرة، فسيتزوجها، ويصبح سلطاناً من بعده.
وحاول عدد كبير من الأطباء أن يزيلوا هذا القرن الذي نبت للأميرة، لكنهم فشلوا جميعاً.
وأخيراً أقبل الشاطر حسن، وأكد للسلطان أن لديه علاجاً أكيداً للأميرة، وقال: " قبل أن أبدأ العلاج، لي شرطان، الأول: أن تعيد لي الأميرة البساط وكيسين من الجلد كانت قد أخذتهم مني".
دهش السلطان لهذا الذي فعلته ابنته ، وقال لها : " لا شك أن ما أصابك ، انما هو عقاب نزل بك جزاء ما فعلتي من أخطاء ! "
ولم تجد الأميرة مفرً من إعادة ممتلكات الشاطر حسن إليه.
قال الشاطر حسن :
" والشرط الثاني : أن تزيل الأميرة لعنتها عن الرجال الذين حولتهم إلى حجارة، ولا ذنب لهم إلا أنهم تقدموا لخطبتها".
حاولت الأميرة أن تتهرب من تنفيذ هذا المطلب وقالت : " اذا نفذت هذا الشرط ، سأفقد قوتي كلها ! "
فقال لها والدها: " وما قيمة هذه القوة التي تستخدمينها في ايذاء الناس ؟ وبماذا تنفعك قوتك مادمتي ستقضين بقية حياتك حبيسة هذا القرن الحيواني الكريه ؟! "
هنا أدركت الأميرة بشاعة العقاب الذي حل بها، فاسرعت تعيد كل من حولتهم إلى حجارة إلى هيئتهم البشرية.
وفي الحال، وضع الشاطر حسن في يد الأميرة ثمرة حمراء، ملفوفة في ورقة كتب فيها: " ثمرة حمراء فيها الشفاء من الشقاء ! "
وأسرع يجلس على بساطه الطائر ، وانطلق يشق به فضاء المدينة، في طريقه إلى مغامرة جديدة.
وذات يوم، عزم الأب على السفر في رحلة طويلة، فقال لأبنه: " إذا تأخرت في سفري، فاجلس فوق هذا البساط، واطلب منه أن يحملك إلى نخلتين فوق الجبل".
ومرت الأيام، وطالت غيبة الوالد، ولم يبق من النقود التي تركها لابنه شئ،
فأخذ الشاطر حسن ما تبقى في البيت من بيض وخبز، وجلس فوق البساط، وقال:
" أيها البساط ، احملني الى النخلتين فوق الجبل".
وسرعان ما ارتفع به البساط في الهواء، وطار ساعات طويلة، ثم هبط عند نخلتين متجاورتين ، ترتفعان وحيدتين فوق الجبل.
استقر حسن بجوار النخلتين. وأخذ يتلفت حوله فلم ير غير السماء وصخور الجبل؟، فسأل نفسه: " لست
أدري لماذا اختار أبي أن يحملني البساط إلى هاتين النخلتين؟"
أخذ يتأمل الطبيعة من حوله ، فلم ير شيئاً يثير الانتباه. وعندما أقبل الليل، واشتد البرد، تسلق إحدى النخلتين، ونزع بعض السعف الجاف، وأشعل ناراً صغيرة ليتدفأ بها. ثم قرر أن يتعشى ويستريح قليلاً، وفي الصباح يحاول أن يستكشف المنطقة من حوله.
وفجأة، شاهد شيئاً يتحرك من بعيد، أخذ يدقق النظر إليه، فتبين أنه رجل قصير يقترب ناحيته. وشيئا فشيئا، اتضح شكل الرجل. كان أخضر اللون ، أخضر الملابس، يمسك في يده عصا خضراء. وعندما اقترب الرجل الأخضر من حسن، حياه ثم قال:
" هل تسمح أن أجلس معك قرب النار؟ إنني أشعر بالبرد"
رد الشاطر حسن في ترحيب: " أهلا وسهلا ... تفضل اجلس".
قال الرجل القصير الأخضر وهو يجلس بجوار الشاطر حسن: " أشكرك".
وأخذ الشاطر حسن يشوي بعض البيض الذي أحضره معه، كما أخرج رغيفاً من الخبز لتسخينه على النار.
التفت حسن الى الرجل القصير الأخضر وقال:
" تفضل بيضة .. شاركني هذا الطعام البسيط".
قال الرجل القصير الأخضر :
" ليس معك يا بني الا طعام قليل، والمكان بعيد عن العمران، فاحتفظ بالطعام لنفسك".
وظهرت رنة غضب وعتاب في صوت حسن، وهو يمد يده بالبيضة وجزء من الرغيف الى الرجل الأخضر وقال:
" ما يكفي رجلا، يمكن أن يكفي رجلين، تفضل مما أعطاني الله".
وبغير أن يتفوه الرجل القصير بكلمة، مد يده، وتناول الخبز والبيضة وأخذ يأكل في صمت. ثم استلقى الرجلان، واستغرقا في النوم.
وعندما طلع النهار، قال الرجل الأخضر: " أشكرك يا شاطر حسن على حسن ضيافتك لي .. لقد تدفأت بنارك، وأكلت من طعامك". قال الشاطر حسن: " وأنا أشكرك لأنك آنستني، وقضيت معي هذه الليلة".
قال الرجل الأخضر:
" هل صعدت فوق هاتين النخلتين؟ "
قال الشاطر حسن:
" صعدت فوق احداهما لإحضار بعض السعف الجاف، وأشعلت به النار". قال الرجل القصير الأخضر:
" لأجل طيبة قلبك وكرمك، وعطفك على الغرباء، سأنصحك نصيحة:
اذا أردت أن تنام فلا تفعل ذلك على الأرض عند جذع النخلتين، بل اصعد ونم بين السعف".
ودهش الشاطر حسن لهذه النصيحة الغريبة. وقبل أن يستفسر عنها، كان الرجل الأخضر قد ابتعد مسرعا كأنه الريح، وغاب عن عينيه.
قضى الشاطر حسن الصباح في ظل النخلتين، وعند الظهر، صعد فوق احداهما لينام، وكان ثمرها أصفر لم يكتمل نضجه.
وأخذ الشاطر حسن يسوي لنفسه مكانا يجلس فيه بين سعف النخلة.
وفجأة سمع رنين شئ سقط واصطدم بصخر الجبل. فتطلع من مكانه فوق النخلة، فرأى شيئاً مستديراً يعكس شعاعاً أصفر لامعاً، وفجأة صاح حسن: " يا إلهي.. هذه قطعة ذهبية!! من أين جاءت؟"
وتحرك الشاطر حسن يريد ليأخذها، فسمع رنين قطعة أخرى تسقط فوق الأرض، هنا أدرك حسن أنه عندما يتحرك فوق النخلة، تسقط على الأرض تلك القطع الذهبية الثمينة.
ومد يديه يبحث عن مكان تللك القطع بين سعف النخلة، فاصطدمت يده بشئ منتفخ مدسوس بين السعف.
تناول الشاطر حسن ذلك الشئ الذي عثر عليه، فوجده كيساً كبيراً من الجلد، تملأه القطع الذهبية الغالية. هنا أدرك سر نصيحة الرجل الأخضر ، وأسرع يضع كيس الذهب الثمين في حزامه، وأمسك البساط العجيب في يده، ونزل من فوق النخلة.
وفي أثناء نزوله، شاهد على البعد بيوتاً بعيدة لم يلحظها من قبل، فقد منعه ضوء الشمس الباهر من رؤيتها. وما أن سار بضع خطوات في طريقه إلى تلك المدينة، حتى توقف، وعاد مسرعاً إلى النخلة الثانية وتسلقها.
كان بلح هذه النخلة الثانية أحمر لم ينضج بعد، وما أن وصل حسن إلى قمتها، حتى أخذ يبحث بين أصول السعف. وفجأة أطلق صيحة فرح وانتصار. فقد عثر، كما توقع، على كيس جلدي آخر، مملوء بقطع الماس النادر، فأخذه ووضعه بجوار كيس الذهب في حزامه. ثم نزل، واتجه إلى المدينة التي شاهدها.
****************************************
ما أن اقترب حسن من أسوار المدينة، حتى شاهد حجارة على هيئة أجسام بشرية، وبالقرب منها امرأة عجوز تبيع الترمس ، فسألها: " من هؤلاء يا خالة ؟ " أشارت العجوز إلى أكوام مختلفة الحجم من الترمس وقالت: " هذا بقرش، وهذا بقرشين، وهذا بثلاثة قروش! ".
قال الشاطر حسن:" يا خالة.. أنا لا أسألك عن الترمس.. أنا أسألك عن هذه الحجارة التي على هيئة الناس! ".
أشارت العجوز ثانية إلى أكوام بضاعتها المصفوفة أمامها وقالت:" هذا بقرش، وهذا بقرشين، وهذا بثلاثة قروش!".
أخرج الشاطر حسن قطعة ذهبية كاملة ، وأعطاها للعجوز وهو يقول: " أنا أشتري بهذه القطعة ما أمامك من ترمس .. لكن أرجوك أجيبي عن سؤالي .." . عندئذ نظرت إليه العجوز وقالت: " ما الذي تسأل عنه؟"
قال:" ما هذه الأشكال الغريبة التي تملأ المكان خلفك ؟ "
قالت:" هؤلاء رجال طلبوا الزواج من الأميرة ابنة السلطان، ولما غلبتهم في المصارعة، حولتهم إلى قطع من الصخر".
أثارت هذه المعلومات دهشة الشاطر حسن وعجبه، وفي الوقت ذاته أثارت غيظه من تلك الأميرة الشريرة.
وانتظر حسن حتى حل الظلام، ثم جلس فوق البساط وقال:
" احملني إلى غرفة الأميرة". وفي لحظات، كان الشاطر حسن يطير عالياً ، تخفيه ظلمة الليل عن العيوم. واتجه البساط إلى نافذة الأميرة، واستقر داخل غرفتها.
في هذه اللحظة، كانت الأميرة تنظر في مرآتها. وعندما شاهدت الفتى الطائر يدخل من نافذتها، لم تصرخ، فقد كانت مشهورة بالجرأة والشجاعة، بل التفتت في ثبات، وتطلعت إلى حسن الذي كان يقف أمامها مبتسماً.
قالت:" اذا كنت قد جئت تخطبني، فلماذا لم تذهب إلى والدي ؟! "
تأمل الشاطر حسن جمال الأميرة، ثم قال:
" أمر غريب أن تكوني على هذا القدر من الرقة والجمال، ويكون قلبك بمثل هذه القسوة!"
قالت الأميرة في دهشة: " قسوة؟ أية قسوة ؟ "
قال الشاطر حسن : " هؤلاء الذين جاءوا يخطبونك حباً فيكي، فحولتيهم إلى قطع من الصخر الأصم !"
قالت في برود: " لقد اشترطت عليهم شروطا فقبلوها باختيارهم، فهل تعرف أنت تلك الشروط؟ "
قال: " يقولون إنك تجيدين المصارعة، وإنك قد تغلبت عليهم جميعاً في فنون هذه اللعبة ".
قالت : " وهل تجيد أنت المصارعة خيراً منهم؟ "
قال الشاطر حسن: " هيا نجرب "
وتماسك الفتى القوي الجرئ مع الفتاة الماهرة الماكرة يتصارعان، ورغم مهارة الأميرة الفائقة ، فقد تغلب عليها الشاطر حسن في وقت قصير، فاحمر وجه الأميرة من الخجل ، وقالت:
" لقد تعثرت قدمي في طرف الفراش.. هيا نقوم بجولة ثانية"
وشعر حسن في داخله أن الأميرة قد يكون لديها من الحيل ما يجعلها تتغلب عليه كما تغلبت على كثير من أمثاله. وكاد يرفض أن يدخل معها في جولة ثانية ، لكنها كانت أسرع من تفكيره، وانقضت عليه.
وفي هذه المرة هزمها حسن بأسرع مما فعل في المرة الأولى.
هنا تراجعت الفتاة، وأخذت تنظر في إعجاب إلى الشاطر حسن، ثم قالت: " قبل أن تذهب إلى والدي لتعلمه بفوزك علي، أخبرني ماذا ستقدم لي مهراً"
هنا تذكر حسن كيس الذهب وكيس الماس، فأسرع يخرجهما من حزامه، وينثر ما فيهما فوق سريرها وهو يقول:
" هل يكفيكي هذا مهراً؟ "
لكنه أحس، عندما أبعد الكيسين عن جسمه، كأنما القوة التي تغلب بها على الأميرة قد فارقته !!
ورغم أن الأميرة قد بهرها بريق الذهب والماس، فقد أطلقت ضحكة ساخرة وهي تقول: " هل هذا كل ما لديك، لتقدمه مهراً للأميرة، التي راح ضحيتها مائة شاب ؟! "
قال حسن : " وهل هذا بقليل ؟ "
قالت الأميرة، وهي تشير إلى الكيسين، وقد ألقاهما حسن على الفراش: " إنك لم تقدم لي إلا بعضا مما معك فقط، هل أنا لا أستحق كل ما في الكيسين؟ "
أثارت هذه الكلمات دهشة الشاطر حسن، فقد أفرغ كل ما في الكيسين من ذهب وماس، ولم يبق معه شئ، ونظر إلى حيث تشير الأميرة.
وكم كانت دهشته عندما وجد الكيسين ممتلئين مرة أخرى بالذهب وقطع الماس!!
هنا أدرك حسن سراً آخر من أسرار الكيسين، إنهما كلما فرغا يمتلئان من جديد ويبدو أن الأميرة أدركت من تعبيرات وجهه نفس الشئ، عندئذ ابتسمت في ود وترحيب، ودعت الشاطر حسناً أن يجلس على مقعد بجوارها.
وانطلقت الأميرة تحدث الشاطر حسناً كأنه صديق قديم، ثم أخذت تعزف له الموسيقى وتغني، فسمع منها أعذب الألحان وأجمل الأصوات.
ثم قامت لتصب له من إناء جميل بعضا من عصير البرتقال.
كان حديث الأميرة وغناؤها وعزفها قد أقنع الشاطر حسناً بأنها قد قبلته زوجاً لها، فنسى حذر، وتناول منها الشراب، وأخذ يشربه على مهل ويتذوق حلاوته في فمه.
أما الأميرة، فقد أخذت تنظر إليه نظرة غريبة لم يفهم في البداية معناها، لكنه سرعان ما أحس بجفونه تثقل، والكلام يخرج من فمه متقطعاً. وشيئاً فشيئاً تغلب عليه النوم، وفقد الوعي.
****************************************
وعندما أفاق وفتح عينيه، وجد نفسه ملقى على صخور الجبل، وقد تم تجريده من البساط الطائر، ومن الكيسين العجيبين، وبذلك فقد فرصته لإرغام الأميرة على إزالة اللعنة عن الرجال الذين حولتهم إلى أحجار وصخور. وهمس الشاطر حسن لنفسه في ضيق:
" كيف توقعت أن يتحول شر الأميرة وقسوتها إلى حب وطيبة؟
ليس من السهل أن يتحول الإنسان الشرير من الشر إلى الخير في لحظة واحدة ! "
وأخذ الشاطر حسن يفكر بغير توقف: كيف يمكنه أن يستعيد البساط والكيسين من الأميرة الشريرة ؟
لكنه أحس بالجوع، فتذكر النخلتين اللتين فوق الجبل، فقال لنفسه:
" سأذهب إليهما، فقد أجد في بلحهما ما يشبعني ".
سار الشاطر حسن وقتاً طويلاً، حتى وصل إلى النخلتين، ورفع عينيه إلى أقربهما إليه، فوجد بلحها الأصفر اللون قد ازداد حجمه حتى أصبح كحجم البرتقال. وملأته الدهشة لنمو البلح بهذه السرعة، وأسرع يتسلق النخلة، وتناول ثمرة وأكلها فوجد طعمها حلواً لذيذاً ، ثم نزل من فوق النخلة، واستلقى في ظلها لينام.
نام حسن بعض الوقت، وفي أثناء نومه، حاول أن يتقلب على جنبه، لكنه وجد شيئاً في جبهته يصطدم بالأرض، ويعوق حركته. ومد حسن يده يتحسس وجهه، فوجد قرنا كبيراً، كأنه قرن بقرة، ينمو فوق جبهته!
أحس الشاطر حسن بغيظ شديد لهذا الذي حدث له، ولم يفهم سبباً لتلك الكارثة التي حلت به.
لقد أصبح عاجزاً حتى عن العودة إلى المدينة، لكي لا يراه الناس وهذا القرن يبرز فوق جبهته !
جلس الشاطر حسن حزيناً يفكر في همه. وفجأة، شاهد الرجل الأخضر يقترب منه، وبسرعة حاول حسن أن يخفي جبهته بذراعيه، وأدار وجهه بعيداً عن الرجل الأخضر، لكن الرجل أطلق ضحكة لطيفة وقال : " لقد أحسست أنك في حاجة إلى من يساعدك، حدثني بصراحة عن كل ما حدث لك "
وعندما أخبره حسن بما حدث له، أشار الرجل إلى بلح النخلة الأخرى، وكان لونه قد أصبح أحمر قانياً، وقال له:
" لماذا لا تجرب الأكل من هذا التمر الأحمر ؟ " وما أن قال هذه العبارة، حتى ابتعد مسرعا كأنه الريح، وغاب عن الأنظار.
أسرع الشاطر حسن وصعد النخلة، وما أن أكل ثمرة حمراء، حتى سقط القرن من رأسه.
وهكذا عرف حسن أن أكل التمر الأصفر يتسبب في نمو القرون، وأن أكل التمر الأحمر يشفي من تلك القرون !
فرح الشاطر حسن فرحاً شديداً لهذا الاكتشاف، وأخذ يقول :
" أشكرك أيها الرجل الأخضر.. أشكرك". وقطع كمية كبيرة من سعف النخلة، صنع منها طبقاً واسعاً ، ملأه بالتمر الأصفر.
وبسرعة عاد إلى المدينة، وأخفى وجهه بشال عمامته، ووقف تحت شباك الأميرة ينادي على التمر الأصفر الجميل:
" أبيع التمر النادر.. أحلى تمر في العالم.. أكبر تمر في العالم".
واستمر ينادي كأنه يصرخ ، إلى أن أرسلت الأميرة إحدى وصيفاتها تنهره وتقول له: " سيدتي الأميرة تطلب منك أن تكف عن هذا الصراخ أيها البائع الكذاب، وأن تبتعد عن هنا ".
لكن الشاطر حسناً أسرع يعطي الوصيفة ثمرة صفراء كبيرة وهو يقول: " هذه هدية متواضعة لابنة السلطان العظيمة، خذيها إليها، فلم يسبق لمولاتي أن رأت تمراً في مثل هذا الحجم الكبير، أو مثل هذا اللون الذهبي، ستجد مولاتي طعمها حلواً مثل شكلها " .
وأثار شكل الثمرة الصفراء الجميلة دهشة واعجاب الوصيفة، فأسرعت بها إلى سيدتها.. وما أن ذاقت الأميرة قضمة من الثمرة، حتى أعجبها طعمها الحلو ، فالتهمتها كلها.
وأحست الأميرة بحاجتها إلى النوم، وعندما استيقظت أحست بشئ ينمو في وجهها ، فمدت يدها تتحسس جبهتها، فوجدت قرنا كبيراً قد نبت في رأسها !
أخذت الأميرة تصرخ وتبكي ، وعلم السلطان بالكارثة التي حلت بابنته ، بعد أن رفضت مغادرة حجرتها، كما رفضت أن تقابل أي انسان. وقال السلطان في نفسه : " هذا جزاء ما فعلته ابنتي بمن تقدموا لخطبتها ! " . ثم أعلن في كل أنحاء المملكة أن من يستطيع شفاء الأميرة، فسيتزوجها، ويصبح سلطاناً من بعده.
وحاول عدد كبير من الأطباء أن يزيلوا هذا القرن الذي نبت للأميرة، لكنهم فشلوا جميعاً.
وأخيراً أقبل الشاطر حسن، وأكد للسلطان أن لديه علاجاً أكيداً للأميرة، وقال: " قبل أن أبدأ العلاج، لي شرطان، الأول: أن تعيد لي الأميرة البساط وكيسين من الجلد كانت قد أخذتهم مني".
دهش السلطان لهذا الذي فعلته ابنته ، وقال لها : " لا شك أن ما أصابك ، انما هو عقاب نزل بك جزاء ما فعلتي من أخطاء ! "
ولم تجد الأميرة مفرً من إعادة ممتلكات الشاطر حسن إليه.
قال الشاطر حسن :
" والشرط الثاني : أن تزيل الأميرة لعنتها عن الرجال الذين حولتهم إلى حجارة، ولا ذنب لهم إلا أنهم تقدموا لخطبتها".
حاولت الأميرة أن تتهرب من تنفيذ هذا المطلب وقالت : " اذا نفذت هذا الشرط ، سأفقد قوتي كلها ! "
فقال لها والدها: " وما قيمة هذه القوة التي تستخدمينها في ايذاء الناس ؟ وبماذا تنفعك قوتك مادمتي ستقضين بقية حياتك حبيسة هذا القرن الحيواني الكريه ؟! "
هنا أدركت الأميرة بشاعة العقاب الذي حل بها، فاسرعت تعيد كل من حولتهم إلى حجارة إلى هيئتهم البشرية.
وفي الحال، وضع الشاطر حسن في يد الأميرة ثمرة حمراء، ملفوفة في ورقة كتب فيها: " ثمرة حمراء فيها الشفاء من الشقاء ! "
وأسرع يجلس على بساطه الطائر ، وانطلق يشق به فضاء المدينة، في طريقه إلى مغامرة جديدة.