![سلسلة السهل المفيد في تفسير القرآن المجيد [ الربع الثاني – من الحزب الثالث والعشرين ] Empty](https://2img.net/i/empty.gif)
[size=16][size=21]الجزء الثاني عشر سورة: هود من : قوله تعالي ( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ ...) [/size][/size]
![سلسلة السهل المفيد في تفسير القرآن المجيد [ الربع الثاني – من الحزب الثالث والعشرين ] Bougie](https://2img.net/h/www.alamalnet.com/vb/images/avatars/bougie.gif)
k][size=21]الربع الثاني – من الحزب الثالث والعشرين ] [/size]![سلسلة السهل المفيد في تفسير القرآن المجيد [ الربع الثاني – من الحزب الثالث والعشرين ] E4h55698](https://2img.net/h/www.shy22.com/pngfile/e4h55698.png)
[size=16][size=12][size=16]وبعد
أن ذكر الله أحوال الكفار وصفاتهم، وما كانوا عليه من العمى عن الحق،
والصمم عن سماعه وذكر المؤمنين، وما كانوا عليه من البصيرة وسماع الحق
والانقياد للطاعة .
ذكر فيهما مثالاً مطابقاً فقال :
{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }
[الآية 24]
ضرب
الله لنا هذا المثل حيث شبه ربنا عز وجل فريق الكافرين بالأعمى عن معرفة
وجه الحق فى الدنيا والآخرة، لا يهتدى إلى خير ولا يعرفه، والأصم عن سماع
الحق، فلا يسمع ما ينتفع به، كما شبه سبحانه فريق المؤمنين بالبصير الذى
يعرف وجه الحق فى الدنيا والآخرة، والسميع للحق الذى يعمل به، ويبلغه.
هل يستويات مثلاً وصفة ؟
لا أبداً أبداً
أفلا تذكرون فتعتبرون، فتنتفعون، فتكونون من أهل الإيمان ؟
* * *
أيها القارئ
بعد
أن تحدثت الآيات السابقة عن موضوع : العبادة، والاستغفار، والتوبة، وبينت
أن الناس بالنسبة لهذا الموضوع فريقان فريق المؤمنين، وفريق الكافرين،
وضربت لكل فريق مثله
تقدم الآيات فيما يلى نماذج حية واقعية من قصص بعض الأنبياء عليهم السلام، وأقوامهم، ومواقفهم من موضوع العبادة هذا.
فتقدم قصة نوح عليه السلام مع قومه.
حيث يقول ربنا :
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ
إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ
إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ }
[الآيتان 25 ، 26]
والمعنى : ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه يدعهم إلى توحيد الله، وعبادته.
فقال لهم : يا قوم إنى لكم نذير مبين أى : أنذركم وأخوفكم لتنقذوا أنفسكم من عذاب الله، وكلامى واضح، وحجتى واضحة.
ودعوتى لكم أن لا تعبدوا إلا الله وحده؛ حيث إنه مالكم، فما من إله غيره.
يا
قوم إنى أخاف عليكم إن خالفتم، ولم توحدوا الله وتعبدوه عذاب يوم أليم يوم
القيامة فآمنوا، واعبدوا الله وحده، واستغفروه، وتوبوا إليه.
* * *
ماذا كان جوابهم ؟
{ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن
قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ
إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ
عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }
[الآية 27]
أى : فقال الملأ الذين كفروا من قومه وهم الرؤساء الذين يملئون العيون أبهة، والصدور هيبة، فى الجواب عليه ثلاثة أشياء :
ما
نراك اتبعك إلا بشرا مثلنا لست بملِك، ولا ملَك، ولا فضل له علينا . و
كذلك ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا أى : ضعفاؤنا وفقراؤنا، وأسافلنا
بادى الرأى الذين يؤمنون بالشىء سريعا، دونما تكفير وإعمال عقل منهم.
ومن جهة ثالثة ما نرى لكم علينا من فضل فى مال، أو خلق، أو جاه بل نحن نظنكم كافرين فيما تدعونه.
وهذا : هو قول المعاندين للحق، فى كل العصور، وكل البيئات.
* * *
وهنا رد عليهم نوح عليه السلام، بهذه الردود، بغاية التلطف والأدب، شأن الأنبياء، والدعاة إلى الله :
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ
عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ
فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ
}[الآية 28]
وهذا هو الرد الأول
ومعناه : قال لهم يا قوم أرأيتم أخبرونى ما رأيكم
إن كنت أنا على بينة ويقين من وحدانية ربى كما أنه سبحانه آتانى رحمة وهى النبوة من عنده لأبلغكم رسالة الله
فعميت وخفيت عليكم هذه الأشياء، ولم تفهموها، ولم تؤمنوا بها !!
أنلزمكموها ونرغمكم على الإيمان بهذه الوحدانية، وهذه النبوة وأنتم لها كارهون ؟
إن هذا لا يصح ولا يكون، حيث إنه لا إكراه فى الدين.
* * *
ثم يقول عليه السلام :
{وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ
الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ
قَوْمًا تَجْهَلُونَ}
[الآية 29]
الرد
الثانى : قال ويا قوم لا أسألكم وأطلب منكم عليه وهو تبليغ الرسالة،
والدعوة إلى التوحيد مالا من عندكم، وإلا كان لكم الحق فى موقفكم هذا.
ولكنى أبتغى وجه الله فقط إن أجرى وثوابى على الله وحده.
الرد
الثالث : قال لهم ما أنا بطارد الذين آمنوا من عندى، ولا من متابعتى، كما
تريدون، وتطلبون؛ حيث إنهم ملاقوا ربهم ويشكوننى إليه إن نفذت رغبتكم
الخاطئة وطردتهم، كما أنه هو الذى يجازيهم ويكافئهم لا أنتم، فلم تبخلون
عليهم بالهدى ؟!!
والله ليس لهذا من سبب فيما أرى ولكنى أراكم قوماً تجهلون قدرهم عند الله، كما أنكم تجهلون قيمة ما أدعوكم إليه.
* * *
ثم قال عليه السلام :
{وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}
[الآية 30]
وهل فيكم يا قوم من ينصرنى وينقذنى من عذاب الله إن طردتهم من ساحة الإيمان بناءً على رغبتكم ؟
طبعاً لا يوجد.
أفلا تذكرون وتتعظون، وتعدلون عن مواقفكم إذن ؟
* * *
ثم قال عليه السلام :
{وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ
اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ
أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ
خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ
الظَّالِمِينَ }
[الآية 31]
وهذا هو الرد الرابع
ومعناه : يا قوم أنا لا أكذب، ولا أدعى العلم بما ليس لى به علم.
ولذلك :
لا أقول لكم عندى خزائن الله وادعى فضلاً عليكم، حتى تتبعونى.
ولا أقول لكم إنى أعلم الغيب فأخبركم عن آبائكم الأولين، وأعرف ما فى ضمائركم وضمائر أتباعى.
ولا أقول لكم إنى ملك حتى تقولوا ما أنت إلا بشرا مثلنا.
ولا أقول للذين تزدرى وتحتقر أعينكم من أتباعى المؤمنين :
لن
يؤتيهم الله خيراً فى الدنيا أو فى الآخرة، تحقيقاً لرغبتكم، فـ الله وحده
أعلم بما فى أنفسهم ولست أنا، وسيجازيهم عليه، ولست أنا ولا أنتم.
يا قوم إنى لو كذبت عليكم، وادعيت العلم بما ليس لى به علم، وقلت شيئاً من ذلك : لكنت إذاً من الظالمين.
وبهذا : رد عليهم، بمنتهى الحزم، ومنتهى الأدب، دون آية مساومة، أو تفريط فى حق الذين آمنوا معه واتبعوه.
* * *
فماذا كان موقفهم بعد هذا الوضوح، وبعد أن قامت الحجة عليهم.
رفضوا الحق، وأعرضوا عن أهله.
حيث
{قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
[الآية 32]
أى
: قالوا يا نوح دعوتنا للتوحيد وعبادة ربك فرفضنا، وأبينا، وقد جادلتنا
وأقمت علينا الحجج والأدلة فرفضنا دعوتك، وأبينا اتباعك فأكثرت جدالنا
وأتعبتنا ولن نتبعك، ولن نؤمن معك.
وقد هددتنا بالعذاب.
فأتنا بما تعدنا من هذا العذاب إن كنت من الصادقين فيما تهددنا به.
* * *
وهنا
{قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ }
[الآية 33]
أى
: قال لهم نوح عليه السلام : أنا لا أملك أن آتيكم بشىء من هذا العذاب
إنما يأتيكم به الله عاجلاً أو آجلاً إن شاء هو لا أنا ، فهو الذى يملك
أمرى وأمركم وأمر كل شىء.
وما أنتم بمعجزين له سبحانه، أو هاربون منه.
* * *
ثم قال لهم
{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن
كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ}
[الآية 34]
يعنى
: كما أنى لا آتيكم بما أعدكم به من العذاب، بل يأتيكم به الله إن شاء:
فإنه لا ينفعكم نصحى لكم ووعظى إياكم إن أردت أن أنصح لكم وأحببت أن ينصلح
حالكم إن كان الله لا يريد ذلك لكم، بل يريد أن يغويكم ويضلكم، بسبب ظلمك
وطغيانكم وعنادكم.
هو سبحانه ربكم المتصرف فى أموركم وإليه ترجعون فيجازيكم بما تستحقون.
* * *
وهنا يقول رب العزة :
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ }
[الآية 35]
يعنى : بل يقولولن أى : قوم نوح على نوح عليه السلام، أنه افتراه أى : هذا الذى بلغنا به، من الدعوة إلى التوحيد والعبادة.
قل لهم يا نوح إن كنت قد افتريته واختلقته من عند نفسى : فـ هذا إجرام، وعلىَّ وزر إجرامى.
ولكننى لم أختلقه من عند نفسى حتى أكون كذلك.
بل أنتم المجرمون برفضكم دعوة التوحيد، ورفضكم عبادة الله سبحانه.
وأنا برىء مما تجرمون فى رفضكم هذه الدعوة، ومجرمون فى نسبتكم الافتراء والاختلاق إلىَّ.
* * *
وبعد هذا التأكيد لصدق نوح عليه السلام : تواصل الآيات عرض باقى تفاصيل هذه القصة.
حيث يقول ربنا :
{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}
[الآية 36] أى
: أوحينا إلى نوح بقرب النهاية، وأخبرناه بـ أنه لن يؤمن من قومك بعد هذه
المدة التى قضيتها بينهم، وهى ألف سنة إلا خمسين عاماً، تبلغهم فيها دعوة
الله، ولم يؤمن معك إلا من قد آمن.
ولذلك فلا تبتئس ولا تحزن، بـ سبب ما كانوا يفعلون معك، من الإيذاء، والتكذيب، والاستهزاء.
* * *
ثم قال عز وجل له :
{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ}
[الآية 37]
واصنع
يا نوح الفلك السفينة بأعيننا إن كنت لا تعرف فسنعلمك، ونحميك من الخطأ فى
صنعها، وستكون هذه السفينة آلة النجاة لك ولمن آمن معك من عذابنا.
و إذا جاء العذاب لا تخاطبنى فى ترك إهلاك الذين ظلموا بشفاعتك لهم؛ حيث إنهم مغرقون لا محالة.
* * *
وبدأ نوح
{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ
عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ
مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ }
[الآية 38]
وصار نوح عليه السلام يصنع السفينة؛ تنفيذاً لأمر الله تعالى.
و كان كلما مر عليه ملأ من قومه وهو يصنعها سخروا منه واستهزءوا به.
فما كان يأبه لسخريتهم، ولا يتأثر باستهزائهم !!
بل
كان يقول لهم إن تسخروا منا اليوم فإنا نسخر منكم غداً بإذن الله، عند
رؤية إهلاككم كما تسخرون منا عند رؤيتكم صناعة السفينة.
* * *
ثم قال لهم مهدداً
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}
[الآية 39]
أى : إذا جاءت ساعة النهاية فسوف تعملون ونعلم أيضاً من يأتيه منا عذاب من عند الله يخزيه فى الدنيا ويحل عليه عذاب مقيم فى الآخرة.
وبالطبع فأنتم أهل هذا الخزى، وذاك العذاب المقيم.
* * *
ثم يحكى لنا ربنا عز وجل تفاصيل ساعة النهاية هذه.
فيقول :
{حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ
التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ
وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ
مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}
[الآية 40]
يعنى : حتى إذا جاء أمرنا بالعذاب، وحانت ساعة النهاية، وصارت الأرض تفور بالماء، كما يفور تنور الجناز بالنار
قلنا لنوح احمل فيها أى : فى السفينة من كل صنف زوجين اثنين.
واحمل كذلك أهلك إلا من سبق عليه القول منهم، أنه من أهل النار، فلا تحمله ولا تحزن عليه.
و احمل أيضاً من آمن معك، واتبعك.
وما كان قد آمن معه إلا قليل مع أنه مكث فيهم كثيراً.
[/size][/size]
[/size]
*****
بقلم فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر