[size=16]باسم الله الرحمـان الرحيـم .. و الصلاة و السلام على أشــرف المــرسليـن ..
السـلام علــيـكـم و رحمـة الله تعـالى و بــركـاتـه[/size]
[size=16][size=16][/size][/size]
[size=16]تمضي الأيـام .. لكن الذكرى تبقــى الماضــي مضـى .. و المضارع يمضي [/size]
[size=16]لذلك فلنطـوي صفحـة الماضـي و لنبــدأ بصفحات بيضــاء جديــدة [/size]
[size=16]و لنــجعل من من الذكريات الــوانا في كتابنا و لنــملئ صــفاحتنا البيــضاء بســطور ذهبية [/size]
[size=16]تعــكس جمالها على منتــدانا هذا .. [/size]
[size=16]الحمـد لله وحده نحمده و نشكره و نستعـينه و نستـغفره و نعـود بالله[/size]
[size=16] مـن شـرور أنـفسنا و من سيـئات أعمالنا .. [/size]
[size=16]من يـهده الله فلا مظل لـه و مـن يظـلل فلن تـجد له ولياً مرشدا ..[/size]
[size=16]و أشـهد ألا إلاه إلا الله وحده لا شريك له و أن محــمداً عبده و رسـوله صــلى الله عليه و[/size]
[size=16]سلم و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسـان إلى يوم الدين ..[/size]
[size=16] [/size]
[size=16]ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الـخـبــيـر .. [/size]
[size=16]ربـنـا لا فــهم لـنا إلا ما فهــمتنا إنــك أنـت الجــواد الـكـريـم . [/size]
[size=21][/size]
[size=16][/size]
[size=25] زوار و أعضاء المنتدى أتيناكم اليــــومْ بهديّة متواضعة أضعُها بين أيادي أحبّائنا الكرام.[/size]
عبارة عن سلسلة تفسير ابْن القيّم لبَعْض آيات القرآن الكريم للعَالِمِ القيّم
محمد بن أبى بكر ابن قيم الجوزية!؟
نسأل الله تعالى أن ينفعَنا بِها!؟
العدد 1 ـ الجُزءُ الثّانِي
السـلام علــيـكـم و رحمـة الله تعـالى و بــركـاتـه[/size]
[size=16][size=16][/size][/size]
[size=16]تمضي الأيـام .. لكن الذكرى تبقــى الماضــي مضـى .. و المضارع يمضي [/size]
[size=16]لذلك فلنطـوي صفحـة الماضـي و لنبــدأ بصفحات بيضــاء جديــدة [/size]
[size=16]و لنــجعل من من الذكريات الــوانا في كتابنا و لنــملئ صــفاحتنا البيــضاء بســطور ذهبية [/size]
[size=16]تعــكس جمالها على منتــدانا هذا .. [/size]
[size=16]الحمـد لله وحده نحمده و نشكره و نستعـينه و نستـغفره و نعـود بالله[/size]
[size=16] مـن شـرور أنـفسنا و من سيـئات أعمالنا .. [/size]
[size=16]من يـهده الله فلا مظل لـه و مـن يظـلل فلن تـجد له ولياً مرشدا ..[/size]
[size=16]و أشـهد ألا إلاه إلا الله وحده لا شريك له و أن محــمداً عبده و رسـوله صــلى الله عليه و[/size]
[size=16]سلم و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسـان إلى يوم الدين ..[/size]
[size=16] [/size]
[size=16]ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الـخـبــيـر .. [/size]
[size=16]ربـنـا لا فــهم لـنا إلا ما فهــمتنا إنــك أنـت الجــواد الـكـريـم . [/size]
[size=21][/size]
[size=16][/size]
[size=25] زوار و أعضاء المنتدى أتيناكم اليــــومْ بهديّة متواضعة أضعُها بين أيادي أحبّائنا الكرام.[/size]
عبارة عن سلسلة تفسير ابْن القيّم لبَعْض آيات القرآن الكريم للعَالِمِ القيّم
محمد بن أبى بكر ابن قيم الجوزية!؟
نسأل الله تعالى أن ينفعَنا بِها!؟
العدد 1 ـ الجُزءُ الثّانِي
[ثم ذكر فصلين في الرقية بالفاتحة وتأثيرها مستشهدا بحديث أبي سعيد وببعض تحليلات نفسية ، وبتجاربه. ثم قال ].
فصل
في اشتمال الفاتحة على الرد على جميع المبطلين عن أهل الملل والنحل ، والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمة.
وهذا يعلم بطريقين ، مجمل ومفصل :
أما المجمل : فهو أن الصراط المستقيم متضمن معرفة الحق ،
__________
(1) رفل في ثيابه أطالها وجرها متبخترا من باب نصر.
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 53فصل
في اشتمال الفاتحة على الرد على جميع المبطلين عن أهل الملل والنحل ، والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمة.
وهذا يعلم بطريقين ، مجمل ومفصل :
أما المجمل : فهو أن الصراط المستقيم متضمن معرفة الحق ،
__________
(1) رفل في ثيابه أطالها وجرها متبخترا من باب نصر.
و إيثاره ، وتقديمه على غيره ، ومحبته والانقياد له ، والدعوة إليه ، وجهاد أعدائه بحسب الإمكان.
والحق : هو ما كان عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه ، وما جاء به علما وعملا في باب صفات الرب سبحانه وأسمائه وتوحيده ، وأمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، وفي حقائق الإيمان ، التي هي منازل السائرين إلى اللّه تعالى.
وكل ذلك مسلم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، دون آراء الرجال وأوضاعهم وأفكارهم واصطلاحاتهم ، فكل علم أو عمل أو حقيقة ، أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوته ، وعليه السكة المحمدية ، بحيث يكون من ضرب المدينة ، فهو من الصراط المستقيم ، وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال فما ثمّ خروج عن هذه الطرق الثلاث : طريق الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاء به ، وطريق أهل الغضب ، وهي طريق من عرف الحق وعانده ، وطريق أهل الضلال ، وهي طريق من أضله اللّه عنه. ولهذا قال عبد اللّه بن عباس وجابر ابن عبد اللّه رضي اللّه عنهم : «الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ : هو الإسلام» وقال عبد اللّه بن مسعود و
علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهما : «هو القرآن»
و فيه حديث مرفوع في الترمذي وغيره ، وقال سهل بن عبد اللّه : «طريق السنة والجماعة». وقال بكر بن عبد اللّه المزني «1» : «طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
ولا ريب أنه ما كان عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه علما وعملا وهو معرفة الحق وتقديمه ، وإيثاره على غيره. فهو الصراط المستقيم.
وكل هذه الأقوال المتقدمة دالة عليه جامعة له.
بهذا الطريق المجمل يعلم أن كل ما خالفه فباطل ، وهو من صراط الأمتين : الأمة الغضبية ، وأمة أهل الضلال.
__________
(1) هو أبو عبد اللّه بكر بن عبد اللّه المربي البصري الفقيه روي عن المغيرة بن شعبة وجماعة توفي سنة ست أو ثمان ومائة للهجرة.
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 54
فصل
و أما المفصل : فمعرفة المذاهب الباطلة ، واشتمال كلمات الفاتحة على إبطالها. فنقول :
الناس قسمان : مقر بالحق تعالى ، وجاحد له ، فتضمنت الفاتحة إثبات الخالق تعالى والرد على من جحده بإثبات ربوبيته تعالى للعالمين وتأمل حال العالم كله علويه وسفليه بجميع أجزائه تجده شاهدا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه ، فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العلم وجحده ، لا فرق بينهما ، بل دلالة الخالق على المخلوق ، والفعال على الفعل ، والصانع على أحوال المصنوع عند العقول الزاكية المشرقة العلوية ، والفطر الصحيحة : أظهر من العكس.
فالعارفون أرباب البصائر يستدلون باللّه على أفعاله وصنعه ، إذا استدل الناس بصنعه وأفعاله عليه ، ولا ريب أنهما طريقان صحيحان ، كل منهما حق والقرآن مشتمل عليهما.
فأما الاستدلال بالصنعة فكثير ، وأما الاستدلال بالصانع فله شأن. وهو الذي أشارت إليه الرسل بقولهم لأممهم : 14 : 10 أَفِي اللَّهِ شَكٌّ؟ أي أيشك في اللّه حتى يطلب إقامة الدليل على وجوده؟ وأي دليل أصح وأظهر من هذا المدلول؟ فكيف يستدل على الأظهر بالأخفى؟ ثم نبهوا على الدليل بقولهم فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية- قدس اللّه روحه- يقول :
كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شي ء؟ وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت :
و ليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى الدليل
و معلوم أن وجود الرب تعالى أظهر للعقول والفطر من وجود النهار ،
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 55
و من لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهمهما.
وإذا بطل قول هؤلاء بطل قول أهل الإلحاد : القائلين بوحدة الوجود ، وأنه ما ثم وجود قديم خالق ووجود حادث مخلوق ، بل وجود هذا العالم هو عين وجود اللّه ، وهو حقيقة وجود هذا العالم ، فليس عند القوم رب وعبد ، ولا مالك ومملوك ، ولا راحم ومرحوم ، ولا عابد ومعبود ، ولا مستعين ومستعان به ، ولا هاد ولا مهدي ولا منعم ولا منعم عليه ، ولا غضبان ومغضوب عليه ، بل الرب هو نفس العبد وحقيقته ، والمالك هو عين المملوك ، والراحم هو عين المرحوم ، والعابد هو نفس المعبود. وإنما التغاير أمر اعتباري بحسب مظاهر الذات وتجلياتها. فتظهر تارة في صورة معبود ، كما ظهرت في صورة فرعون ، وفي صورة عبد ، كما ظهرت في صورة العبيد ، وفي صورة هاد ، كما في صورة الأنبياء والرسل والعلماء ، والكل من عين واحد ، بل هو العين الواحدة ، فحقيقة العابد ووجوده ، أو إنّيته هي حقيقة المعبود ووجوده وإنيته والفاتحة من أولها إلى آخرها تبين بطلان قول هؤلاء الملاحدة وضلالهم ..
فصل
و المقرّون بالرب سبحانه وتعالى : أنه صانع العالم نوعان :
نوع ينفي مباينته لخلقه ، ويقولون : لا مباين ولا محايث ، ولا داخل العالم ولا خارجه ، ولا فوقه ولا تحته ، ولا عن يمينه ولا عن يساره ، ولا خلفه ولا أمامه ، ولا فيه ولا بائن عنه.
فتضمنت الفاتحة للرد على هؤلاء من وجهين :
أحدهما : إثبات ربوبيته تعالى للعالم. فإن الربوبية المحضة تقتضي مباينة الرب للعالم بالذات ، كما باينهم بالربوبية ، وبالصفات والأفعال ، فمن
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 56
لم يثبت ربا مباينا للعالم ، فما أثبت ربا ، فإنه إذا نفى المباينة لزمه أحد أمرين ، لزوما لا انفكاك له عنه البتة : إما أن يكون هو نفس هذا العالم ، وحينئذ يصح قوله. فإن العالم لا يباين ذاته ونفسه ، ومن هاهنا دخل أهل الوحدة ، وكانوا معطلة أولا ، واتحادية ثانيا.
وإما أن يقول : ما ثم رب يكون مباينا ولا محايثا ، ولا داخلا ولا خارجا ، كما قالته الدهرية المعطلة للصانع.
وأما هذا القول الثالث المشتمل على جمع النقيضين : إثبات رب مغاير للعالم مع نفي مباينته للعالم ، وإثبات خالق قائم بنفسه ، لا في العالم ولا خارج العالم ، ولا فوق العالم ولا تحته ، ولا خلفه ولا أمامه ، ولا يمنته ولا يسرته : فقول له خبئ ، والعقول لا تتصوره حتى تصدق به. فإذا استحال في العقل تصوره. فاستحالة التصديق به أظهر وأظهر. وهو منطبق على العدم المحض ، والنفي الصّرف ، وصدقه عليه أظهر عند العقول والفطر من صدقه على رب العالمين ، فضع هذا النفي وهذه الألفاظ الدالة عليه على العدم المستحيل ، ثم ضعها على الذات العلية القائمة بنفسها ، التي لم تحل في العالم ، ولا حلّ العالم فيها ، ثم انظر أي المعلومين أولى به ، واستيقظ لنفسك ، وقم للّه قومة مفكر في نفسه في الخلوة في هذا الأمر ، متجرد عن المقالات وأربابها وعن الهوى والحمية والعصبية ، صادقا في طلب الهداية من اللّه ، فاللّه أكرم من أن يخيب عبدا هذا شأنه. وهذه المسألة لا تحتاج إلى أكثر من إثبات رب قائم بنفسه ، مباين لخلقه ، بل هذا نفس ترجمتها.
فصل
ثم المثبتون للخالق تعالى نوعان :
أهل توحيد ، وأهل إشراك. وأهل الإشراك نوعان :
أحدهما : أهل الإشراك به في ربوبيته وإلهيته ، كالمجوس ومن
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 57
ضاهاهم من القدرية ، فإنهم يثبتون مع اللّه خالقا آخر ، وإن لم يقولوا : إنه مكافئ له ، والقدرية المجوسية تثبت مع اللّه خالقين للأفعال ، ليست أفعالهم مقدورة للّه ، ولا مخلوقة لهم ، وهي صادرة بغير مشيئته ولا قدرة له عليها ، ولا هو الذي جعل أربابها فاعلين لها ، بل هم الذين جعلوا أنفسهم شائين مريدين فاعلين.
فربوبية العالم الكاملة المطلقة الشاملة تبطل أقوال هؤلاء كلهم لأنها تقتضي ربوبيته لجميع ما فيه من الذوات والصفات والحركات والأفعال.
وحقيقة قول القدرية المجوسية : أنه تعالى ليس ربا لأفعال الحيوان ، ولا تناولتها ربوبيته وكيف تتناول ما لا يدخل تحت قدرته ومشيئته وخلقه؟ مع أن في عموم حمده ما يقتضي حمده على طاعات خلقه ، إذ هو المعين عليها والموفق لها ، وهو الذي شاءها منهم ، كما قال في غير موضع من كتابه وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ فهو محمود على أن شاءها لهم ، وجعلهم فاعليها بقدرته ومشيئته ، فهو المحمود عليها في الحقيقة. وعندهم : أنهم هم المحمودون عليها ، ولهم الحمد على فعلها ، وليس للّه حمد على نفس فاعليتها عندهم ، ولا على ثوابه وجزائه عليها.
أما الأول : فلأن فاعليتها بهم لا به ، وأما الثاني : فلأن الجزاء مستحق عليه استحقاق الأجرة على المستأجر ، فهو محض حقهم ، الذي عاوضوه «1» عليه.
وفي قوله : وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ رد ظاهر عليهم. إذا استعانتهم به إنما تكون عن شيء هو بيده وتحت قدرته ومشيئته ، فكيف يستعين من بيده الفعل وهو موجده ، إن شاء أوجده وإن شاء لم يوجده ، بمن ليس ذلك الفعل بيده ولا هو داخل تحت قدرته ولا مشيئته.
__________
(1) العوض واحد الأعواض تقول منه عاضه وأعاضه وعوضه تعويضا وعاوضه أعطاه العوض.
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 58
و في قوله : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أيضا رد عليهم فإن الهداية المطلقة التامة هي المستلزمة لحصول الاهتداء. ولو لا أنها بيده تعالى دونهم لما سألوه إياها ، وهي المتضمنة للإرشاد والبيان ، والتوفيق والإقدار ، وجعلهم مهتدين. وليس مطلوبهم مجرد البيان والدلالة ، كما ظنته القدرية.
لأن هذا القدر وحده لا يوجب الهدى ، ولا ينجي من الردى ، وهو حاصل لغيرهم من الكفار ، الذين استحبوا العمى على الهدى ، واشتروا الضلالة بالهدى.
فصل
النوع الثاني : أهل الإشراك به في إلهيته ، وهم المقرون بأنه وحده رب كل شيء ، ومليكه وخالقه ، وأنه ربهم ورب آبائهم الأولين ، ورب السموات السبع ، ورب العرش العظيم ، وهم مع هذا يعبدون غيره ، ويعدلون به سواه في المحبة والطاعة والتعظيم ، وهم الذين اتخذوا من دون اللّه أندادا ، فهؤلاء لم يوفوا «إياك نعبد» حقه ، وإن كان لهم نصيب من «نعبدك». لكن ليس لهم نصيب من «إياك نعبد» المتضمن معنى : لا نعبد إلا إياك ، حبا وخوفا ورجاء وطاعة وتعظيما ، ف «إياك نعبد» تحقيق لتوحيد لهذا التوحيد ، وإبطال للشرك في الإلهية ، كما أن «إياك نستعين» تحقيق لتوحيد الربوبية ، وإبطال للشرك به فيها ، وكذلك قوله : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ فإنهم أهل التوحيد ، وهم أهل تحقيق إياك نعبد وإياك نستعين» وأهل الإشراك : هم أهل الغضب والضلال.
فصل
في تضمنها الرد على الجهمية معطلة الصفات وذلك من وجوه :
أحدهما : من قوله : الْحَمْدُ لِلَّهِ فإن إثبات الحمد الكامل له يقضي
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 59
ثبوت كل ما يحمد عليه من صفات كماله ، ونعوت جلاله ، إذ من عدم صفات الكمال فليس بمحمود على الإطلاق ، وغايته : أنه محمود من وجه دون وجه ، ولا يكون محمودا بكل وجه ، وبكل اعتبار ، بجميع أنواع الحمد : إلا من استولى على صفات الكمال جميعها ، فلو عدم منها صفة واحدة لنقص من حمده بحسبها.
وكذلك في إثبات صفة الرحمة له : ما يتضمن إثبات الصفات التي تستلزمها من الحياة ، والإرادة والقدرة ، والسمع والبصر ، وغيرها.
وكذلك صفة الربوبية : تستلزم جميع صفات الفعل ، وصفة الإلهية تستلزم جميع أوصاف الكمال : ذاتا وأفعالا ، كما تقدم بيانه.
فكونه محمودا إلها ربا رحمانا رحيما ، ملكا معبودا ، مستعانا ، هاديا منعما ، يرضى ويغضب ، مع نفي قيام الصفات به : جمع بين النقيضين.
وهو من أمحل المحال.
وهذه الطريق تتضمن إثبات الصفات الخبرية من وجهين :
أحدهما : أنها من لوازم كماله المطلق فإن استواءه على عرشه من لوازم علوه ، ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا في نصف الليل الثاني : من لوازم رحمته وربوبيته. وهكذا سائر الصفات الخبرية الوجه الثاني : أن السمع ورد بها ثناء على اللّه ومدحا له ، وتعرفا منه إلى عباده بها. فجحدها وتحريفها عما دلت عليه ، وأريد بها : مناقض لما جاءت له ، فلك أن تستدل بطريق السمع على أنها كمال ، وأن تستدل بالعقل كما تقدم.
فصل
في تضمنها الرد على الجبرية. وذلك على وجوه :
أحدها : من إثبات عموم حمده سبحانه. فإنه يقتضي ألا يعاقب عبيده
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 60
على ما لا قدرة لهم عليه ، ولا هو من فعلهم ، بل هو بمنزلة ألوانهم ، وطولهم وقصرهم ، بل هو يعاقبهم على نفس فعله بهم. فهو الفاعل لقبائحهم في الحقيقة ، وهو المعاقب لهم عليها. فحمده عليها يأبى ذلك أشد الإباء ، وينفيه أعظم النفي ، فتعالى من له الحمد كله عن ذلك علوا كبيرا ، بل إنما يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقة. فهي أفعالهم لا أفعاله. وإنما أفعاله العدل والإحسان والخيرات الوجه الثاني : إثبات رحمته ورحمانيته تنفي ذلك. إذ لا يمكن اجتماع هذين الأمرين قط : أن يكون رحمانا رحيما ، ويعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه ، ولا هو من فعله ، بل يكلفه ما لا يطيقه ، ولا له عليه قدرة البتة ثم يعاقبه عليه ، وهل هذا إلا ضد الرحمة. ونقض لها وإبطال؟ وهل يصح في معقول أحد : اجتماع ذلك ، والرحمة التامة الكاملة في ذات واحدة؟.
الوجه الثالث : إثبات العبادة والاستعانة لهم ، ونسبتها إليهم بقولهم :
«
نعبد ونستعين» وهي نسبة حقيقية لا مجازية ، واللّه لا يصح وصفه بالعبادة والاستعانة التي هي من أفعال عبيده ، بل العبد حقيقة : هو العابد المستعين. واللّه المعبود المستعان به.
فصل
في بيان تضمنها للرد على القائلين بالموجب بالذات دون الاختيار والمشيئة. وبيان أنه سبحانه فاعل مختار.
وذلك من وجوه :
أحدها : من إثبات حمده ، إذ كيف يحمده على ما ليس مختارا لوجوده ، ولا هو بمشيئته وفعله؟ وهل يصح حمد الماء على آثاره وموجباته؟
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 61
أو النار والحديد وغيرها في عقل أو فطرة؟ وإنما يحمد الفاعل المختار بقدرته ومشيئته على أفعاله الحميدة ، هذا الذي ليس في العقول والفطر سواه.
فخلافه خارج عن الفطرة والعقل ، وهو لا ينكر خروجه عن الشرائع والنبوات بل يتبجح بذلك ، ويعده فخرا.
الثاني : إثبات ربوبيته تعالى : يقتضي فعله بمشيئته واختياره وتدبيره وقدرته ، وليس يصح في عقل ولا فطرة ربوبية الشمس لضوئها ، والماء لتبريده ، والنبات الحاصل به ، ولا ربوبية شيء أبدا لما لا قدرة له عليه البتة ، وهل هذا إلا تصريح بجحد الربوبية؟.
فالقوم كنوا للأغمار ، وصرحوا لأولي الأفهام.
الثالث : إثبات ملكه. وحصول ملك لمن اختار له ، ولا فعل ولا مشيئة غير معقول ، بل كل مملوك له مشيئة واختيار وفعل أتم من هذا الملك وأكمل : 16 : 17 أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ.
الرابع : من كونه مستعانا ، فإن الاستعانة بمن لا اختيار له ولا مشيئة ولا قدرة محال.
الخامس : من كونه مسئولا أن يهدي عباده ، فسؤال من لا اختيار له محال. وكذلك من كونه منعما
فصل
في بيان تضمنها للرد على منكري تعلق علمه تعالى بالجزئيات وذلك من وجوه :
أحدها : كمال حمده ، وكيف يستحق الحمد من لا يعلم شيئا من العالم وأحواله وتفاصيله ، ولا عدد الأفلاك ، ولا عدد النجوم ، ولا من يطيعه ممن يعصيه ، ولا من يدعوه ممن لا يدعوه.
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 62
الثاني : أن هذا مستحيل أن يكون إلها ، وأن يكون ربا ، فلا بد للإله المعبود والرب المدبر أن يعلم عابده ، ويعلم حاله.
الثالث : من إثبات رحمته. فإنه يستحيل أن يرحم من لا يعلم.
الرابع : إثبات ملكه. فإن ملكا لا يعرف أحدا من رعيته البتة. ولا شيئا من أحوال مملكته البتة. ليس بملك بوجه من الوجوه.
الخامس : كونه مستعانا.
السادس : كونه مسئولا أن يهدي سائله ويجيبه.
السابع : كونه هاديا.
الثامن كونه منعما.
التاسع كونه غضبانا على من خالفه.
العاشر : كونه مجازيا ، يدين الناس بأعمالهم يوم الدين ، فنفي علمه بالجزئيات مبطل لذلك كله.
فصل
في بيان تضمنها للرد على منكري النبوات. وذلك من وجوه :
أحدها : إثبات حمده التام. فإنه يقتضي كمال حكمته وأن لا يخلق خلقه عبثا ، ولا يتركهم سدى لا يؤمرون ولا ينهون ، ولذلك نزّه نفسه عن هذا في غير موضع من كتابه. وأخبر أن من أنكر الرسالة والنبوة ، وأن يكون ما أنزل على بشر من شيء فإنه ما عرفه حق معرفته ، ولا عظمه حق عظمته ، ولا قدره حق قدره ، بل نسبه إلى ما لا يليق به ، ويأباه حمده ومجده.
فمن أعطى الحمد حقه علما ومعرفة وبصيرة استنبط منه «أشهد أن محمدا رسول اللّه» كما يستنبط منه «أشهد ألا إله إلا اللّه» وعلم قطعا أن
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 63
تعطيل النبوات في منافاته للحمد كتعطيل صفات الكمال ، وكإثبات الشركاء والأنداد.
الثاني : إلهيته ، وكونه إلها. فإن ذلك مستلزم لكونه معبودا مطاعا ولا سبيل إلى معرفة ما يعبد به ويطاع إلا من جهة رسله.
الثالث : كونه ربا. فإن الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم.
وجزاء محسنهم بإحسانه ، ومسيئهم بإساءته. هذا حقيقة الربوبية. وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة.
الرابع : كونه رحمانا رحيما. فإن كمال رحمته : أن يعرف عباده نفسه وصفاته ويدلهم على ما يقربهم إليه ، ويباعدهم منه ، ويثيبهم على طاعته ، ويجزيهم بالحسنى ، وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة. فكنت رحمته مقتضية لها.
الخامس : ملكه. فإن الملك يقتضي التصرف بالقول ، كما أن الملك يقضي التصرف بالفعل ، فالملك هو المتصرف بأمره وقوله ، فتنفذ أوامره ومراسيمه حيث شاء والمالك هو المتصرف في ملكه بفعله ، واللّه له الملك وله الملك ، فهو المتصرف في خلقه بالقول والفعل.
وتصرفه بقوله نوعان : تصرف بكلماته الكونية ، وتصرف بكلماته الدينية ، وكمال الملك بهما ، فإرسال الرسل : موجب كمال ملكه وسلطانه ، وهذا هو الملك المعقول في فطر الناس وعقولهم. فكل ملك لا تكون له رسل يبثها في أقطار مملكته فليس بملك. وبهذه الطريق يعلم وجود ملائكته ، وأن الإيمان بهم من لوازم الإيمان بملكه. فإنهم رسل اللّه في خلقه وأمره.
السادس : ثبوت يوم الدين. وهو يوم الجزاء ، الذي يدين اللّه فيه العباد بأعمالهم خيرا وشرا ، وهذا لا يكون إلا بعد ثبوت الرسالة والنبوة ،
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 64
و قيام الحجة التي بسببها يدان المطيع والعاصي.
السابع : كونه معبودا. فإنه لا يعبد إلّا بما يحبه ويرضاه ، ولا سبيل للخلق إلى معرفة ما يحبه ويرضاه إلا من جهة رسله. فإنكار رسله إنكار لكونه معبودا.
الثامن : كونه هاديا إلى الصراط المستقيم. وهو معرفة الحق والعمل به ، وهو أقرب الطرق الموصلة إلى المطلوب. فإن الخط المستقيم : هو أقرب خط موصل بين نقطتين ، وذلك لا يعلم إلا من جهة الرسل. فتوقفه على الرسل ضروري ، أعظم من توقف الطريق الحسي على سلامة الحواس.
التاسع : كونه منعما على أهل الهداية إلى الصراط المستقيم. فإن إنعامه عليهم إنما تم بإرسال الرسل إليهم ، وجعلهم قابلين الرسالة مستجيبين لدعوته ، وبذلك ذكرهم منته عليهم وإنعامه في كتابه.
العاشر : انقسام خلقه إلى منعم عليهم ، ومغضوب عليهم ، وضالين ، فإن هذا الانقسام ضروري بحسب انقسامهم في معرفة الحق ، والعمل به :
إلى عالم به عامل بموجبه ، وهم أهل النعمة ، وعالم به معاند له ، وهم أهل الغضب. وجاهل به ، وهم الضالون. وهذا الانقسام إنما نشأ بعد إرسال الرسل. فلولا الرسل لكانوا أمة واحدة. فانقسامهم إلى هذه الأقسام مستحيل بدون الرسالة. وهذا الانقسام ضروري بحسب الواقع. فالرسالة ضرورية.
وقد تبين لك بهذه الطريق ، والتي قبلها : بيان تضمنها للرد على من أنكر المعاد الجسماني ، وقيامة الأبدان ، وعرفت اقتضاءها ضرورة ثبوت الثواب والعقاب والأمر والنهى. وهو الحق الذي خلقت به وله السموات والأرض والدنيا والآخرة ، وهو مقتضى الخلق والأمر ، ونفيه نفي لهما.
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 65
فصل
إذا ثبتت النبوات والرسالة ثبتت صفة التكلم والتكليم.
فإن حقيقة الرسالة : تبليغ كلام المرسل ، فإذا لم يكن ثمّ كلام فماذا يبلغ الرسل؟ بل كيف يعقل كونه رسولا؟ ولهذا قال غير واحد من السلف :
من أنكر أن يكون اللّه متكلما ، أو يكون القرآن كلامه. فقد أنكر رسالة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، بل ورسالة جميع الرسل ، التي حقيقتها ، تبليغ كلام اللّه تبارك وتعالى. ولهذا قال منكرو رسالته صلّى اللّه عليه وسلّم عن القرآن : 74 : 24 ، 25 إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ وإنما عنوا القرآن المسموع الذي بلغوه وأنذروا به.
فمن قال : إن اللّه لم يتكلم به فقد ضاهأ قوله قولهم. تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
فصل
في بيان تضمنها للرد على من قال بقدم العالم وذلك من وجوه :
أحدها : إثبات حمده. فإنه يقتضي ثبوت أفعاله ، لا سيما وعامة مواد الحمد في القرآن ، أو كلها ، إنما هي على الأفعال ، وكذلك هو هاهنا. فإنه حمد نفسه على ربوبيته المتضمنة لأفعاله الاختيارية ، ومن المستحيل : مقارنة الفعل لفاعله. هذا ممتنع في كل عقل سليم ، وفطرة مستقيمة. فالفعل متأخر عن فاعله بالضرورة.
وأيضا فإنه متعلق الإرادة والتأثير والقدرة ، ولا يكون متعلقها قديما البتة.
الثاني : إثبات ربوبيته للعالمين. وتقريره : ما ذكرناه ، والعالم كل ما
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 66
سواه فثبت أن كل ما سواه مربوب ، والمربوب مخلوق بالضرورة ، وكل مخلوق حادث بعد أن لم يكن ، فإذا ربوبيته تعالى لكل ما سواه تستلزم تقدمه عليه وحدوث المربوب ، ولا يتصور أن يكون العالم قديما ، وهو مربوب أبدا ، فإن القديم مستغن بأزليته عن فاعل له ، وكل مربوب فهو فقير بالذات ، فلا شيء من المربوب بغني ولا قديم.
الثالث : إثبات توحيده ، فإنه يقتضي عدم مشاركة شيء من العالم له في خصائص الربوبية ، والقدر من خصائص الربوبية ، فالتوحيد ينفي ثبوته لغيره ضرورة ، كما ينفي ثبوت الربوبية والإلهية لغيره.
فصل
في بيان تضمنها للرد على الرافضة وذلك من قوله : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخرها.
ووجه تضمنه إبطال قولهم : أنه سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أقسام :
منعم عليهم ، وهم أهل الصراط المستقيم ، الذين عرفوا الحق واتبعوه.
ومغضوب عليهم وهم الذين عرفوا الحق ورفضوه. وضالون ، وهم الذين جهلوه فأخطأوه.
فكل من كان أعرف للحق ، وأتبع له كان أولى بالصراط المستقيم.
ولا ريب أن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ورضي اللّه عنهم : هم أولى بهذه الصفة من الرافض. فإنه من المحال أن يكون أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ورضي اللّه عنهم جهلوا الحق وعرفه الروافض ، أو رفضوه وتمسك به الروافض.
ثم إنا رأينا آثار الفريقين تدل على أهل الحق منهما ، فرأينا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتحوا بلاد الكفر ، وقلبوها بلاد إسلام ، وفتحوا القلوب بالقرآن والعلم والهدى. فآثارهم تدل على أنهم هم أهل الصراط المستقيم. ورأينا
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 67
الرافضة بالعكس في كل زمان ومكان ، فإنه قطّ ما قام للمسلمين عدو من غيرهم إلا كانوا أعوانهم على الإسلام ، وكم جرّوا على الإسلام وأهله من بلية؟ وهل عاثت سيوف المشركين عبّاد الأصنام من عسكر هولاكو وذويه من التتار إلا من تحت رؤوسهم؟ وهل عطلت المساجد ، وحرقت المصاحف ، وقتل سروات المسلمين وعلماؤهم وعبادهم وخليفتهم إلا بسببهم ومن جرّائهم؟ ومظاهرتهم للمشركين والنصارى معلومة عند الخاصة والعامة ، وآثارهم في الدين معلومة.
فأي الفريقين أحق بالصراط المستقيم؟ وأيهم أحق بالغضب والضلال ، إن كنتم تعلمون؟ ولهذا فسر السلف الصراط المستقيم وأهله :
بأبي بكر وعمر وأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ورضي اللّه عنهم ، وهو كما فسروه.
فإنه صراطهم الذي كانوا عليه ، وهو عين صراط نبيهم. وهم الذين أنعم اللّه عليهم ، وغضب على أعدائهم ، وحكم لهم بالضلال ، وقال أبو العالية «1»- رفيع الرياحي- والحسن البصري «2» ، وهما من أجل التابعين : الصراط المستقيم : رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحباه ، وقال أبو العالية أيضا في قوله
__________
(1) هو أبو العالية رفيع بن مهران الرباحي مولاهم البصري المقرئ المفسر دخل على أبي بكر وقراء القرآن على أبي ، وكان ابن عباس يرفعه على السرير وقريش أسفل ، وقال أبو بكر بن أبي داود : ليس بعد الصحابة أحد أعلم بالقرآن من أبي العالية وبعده سعيد بن جبير ، قال ابن قتيبة حج أبو العالية ستين حجة ، وقال الأصمعي : كان أبو العالية ومكحول- يعني مكحول الأزدي- جميلين وكان مزاحا. توفي سنة ثلاث وتسعين وقيل سنة تسعين. (انظر شذرات الذهب).
(2) هو أبو سعيد الحسن بن أبي حسن البصري ، إمام أهل البصرة وخير أهل زمانه ، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وسمع خطبته عثمان وشهد يوم الدار ، أبوه مولى زيد بن ثابت وأمه مولاة أم سلمة. كان جميلا فصيحا ، قال أبو عمرو بن العلاء : ما رأيت أفصح من الحسن والحجاج قال ابن سعد في طبقاته : كان جامعا عالم رفيعا فقيها حجة مأمونا عابدا نساكا كثير العلم فصيحا جميلا وسيما. توفي سنة عشر ومائة. (انظر شذرات الذهب).
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 68
«صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» هم آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وأبو بكر وعمر ، وهذا حق :
فإن آله وأبا بكر وعمر على طريق واحدة. ولا خلاف بينهم ، وموالاة بعضهم بعضا ، وثناؤهم عليهما ، ومحاربة من حاربا ومسالمة من سالما ، معلومة عند الأمة. خاصها وعامها.
وقال زيد بن أسلم «1» : الذين أنعم اللّه عليهم هم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وأبو بكر وعمر. ولا ريب أن المنعم عليهم : هم أتباعه ، والمغضوب عليهم :
هم الخارجون عن أتباعه ، وأتبع الأمة لهم وأطوعهم : أصحابه وأهل بيته.
وأتباع الصحابة له : السمع والبصر ، أبو بكر وعمر ، وأشد الأمة مخالفة لهما هم الرافضة ، فخلافهم لهما معلوم عند جميع فرق الأمة ، ولهذا يبغضون السنة وأهلها ، ويعادونها ويعادون أهلها ، فهم أعداء سنته صلّى اللّه عليه وسلّم وأهل بيته.
وأتباعه من بنيهم أكمل ميراث؟ بل هم ورثته حقا.
فقد تبين أن الصراط المستقيم طريق أصحابه وأتباعه ، وطريق أهل الغضب والضلال : طريق الرافضة. وبهذه الطريق بعينها يرد على الخوارج.
فإن معاداتهم الصحابة معروفة.
فصل
و سر الخلق الأمر والكتب والشرائع والثواب والعقاب : انتهى إلى هاتين الكلمتين ، وعليهما مدار العبودية والتوحيد. حتى قيل : أنزل اللّه مائة كتاب
__________
(1) هو زيد بن أسلم العدوي مولاهم الفقيه العابد لقي ابن عمر وجماعة وكانت له حلقة للفتوى والعلم. بالمدينة قال أبو حازم الأعرج : لقد رأيتنا في حلقة زيد بن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة بيننا التواسي بما في أيدينا ، ونقل البخاري أن زين العابدين بن علي بن علي بن الحسين كان يجلس إلى زيد بن أسلم ، قال ابن ناصر الدين : زيد بن أسلم القريش العدوي العمري مولاهم المدني أبو عبد اللّه ، وقيل أبو اسامة الإمام الفقيه ، روي عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع وانس وأحزابهم وله تفسير القرآن يوريه عنه ابنه عبد اللّه (انظر شذرات الذهب).
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 69
و أربعة كتب : جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن ، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن. وجمع معاني القرآن في المفصل ، وجمع معاني المفصل في الفاتحة ، ومعاني الفاتحة في «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ».
وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين : فنصفها له تعالى وهو «إياك نعبد» ونصفهما لعبده وهو «إياك نستعين» وسيأتي سر هذا ومعناه إن شاء اللّه في موضعه.
والعبادة تجمع أصلين : غاية الحب بغاية الذل والخضوع. والعرب تقول : طريق معبد أي مذلّل ، والتعبد : التذلل والخضوع ، فمن أحببته ولم تكن خاضعا له ، لم تكن عابدا له ، ومن خضعت له بلا محبة ، لم تكن عابدا له ، حتى تكون محبا خاضعا ، ومن هاهنا كان المنكرون محبة العباد لربهم منكرين حقيقة العبودية ، والمنكرون لكونه محبوبا لهم ، بل هو غاية مطلوبهم ووجهه الأعلى نهاية بغيتهم : منكرين لكونه إلها ، وإن أقروا بكونه ربا للعالمين وخالقا لهم ، فهذا غاية توحيدهم. وهو توحيد الربوبية ، الذي اعترف به مشركو العرب ، ولم يخرجوا به من الشرك ، كما قال تعالى :
43 : 87 وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ؟ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وقال تعالى :
39 : 38 وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ 23 :
84- 89 قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها؟. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ولهذا يحتج عليهم به على توحيد إلهيته ، وأنه لا ينبغي أن يعبد غيره ، كما أنه لا خالق غيره ولا رب سواه.
والاستعانة : تجمع أصلين : الثقة باللّه ، والاعتماد عليه ، فإن العبد قد يثق بالواحد من الناس ، ولا يعتمد عليه في أموره ، مع ثقته به ، لاستغنائه عنه. وقد يعتمد عليه ، مع ثقته به لحاجته إليه ، ولعدم من يقوم مقامه.
فيحتاج إلى اعتماده عليه. مع أنه غير واثق به.
والتوكل معنى يلتئم من أصلين : من الثقة ، والاعتماد ، وهو حقيقة
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) ، ص : 70
«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» وهذان الأصلان- وهما التوكل والعبادة- قد ذكر في القرآن في عدة مواضع ، قرن بينهما فيها ، هذا أحدها.
الثاني : [قوله تعالى في حكاية عن شعيب ] «1» : 11 : 88 وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
الثالث : قوله تعالى : 11 : 123 : وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ، فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ.
الرابع : قوله تعالى حكاية عن المؤمنين 60 : 4 رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
الخامس : قوله تعالى : 73 : 8 و9 وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ، رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا.
السادس : قوله تعالى : 3 : 13 قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
فهذه ستة مواضع يجمع فيها بين الأصلين وهما «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ».
وتقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها ، والاستعانة وسيلة إليها ، ولأن «إياك نعبد» متعلق بألوهيته واسمه «اللّه» و«إياك نستعين» متعلق بربوبيته واسمه الرب. فقدم «إياك نعبد» على «إياك نستعين» كما تقدم اسم اللّه على الرب في أول السورة ، ولأن «إياك نعبد» قسم الرب. فكان من الشطر الأول الذي هو ثناء على اللّه تعالى ، لكونه أولى به ، و«إياك نستعين» قسم العبد ، فكان مع الشطر الذي له ، وهو «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» إلى آخر السورة.
__________
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد فبراير 26, 2012 8:16 pm عدل 1 مرات