فوائد السياحة
للسياحة فوائد قد يعجز الإنسان عن إدراكها جميعاً، أو تعدادها على سبيل
الحصر. وما ندركه اليوم قد يستدركه غيرنا غداً، لتبقى سنة التطور والتطوير،
والجدد ضاربة عبر التاريخ والأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
1- فمن هذه الفوائد التعرف على آيات الله في خلقه.. في أجناس الناس
وألوانهم وألسنتهم.. في عاداتهم وتقاليدهم، في أفكارهم وثقافاتهم، وفي
طباعهم وأمزجتهم، في ميولهم وهواياتهم.. فيزدادوا إجلالاً لله وتعظيماً
لقدرته، وإقراراً بعظمته، وإقبالاً على طاعته، ورجاء بعفوه ومغفرته.
(ومن ءاياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنَّ في ذلك لأياتٍ للعالمين) سورة الروم : الآية 22
2- ومن فوائد السياحة التعرف على آيات خلق الله في الأرض واخنلاف تكوينها
وتضاريسها ومناخاتها ومعادنها وكنوزها وأنهارها وبحارخا وثرواتها، وفوارق
ليلها ونهارها، وحرها وبردها:
n( إنَّ فِى خَلقِ السَّمَواَتِ وَالأَرضِ واختِلاَفِ الَّيلِ وَالنَّهَارِ لأَيَاتٍ لأولِي الأَلبَابِ) سورة آل عمران: الآية 190.
n (وَالأَرضَ فَرَشنَهَا فَنِعمَ الماهِدُونَ) سورة الذاريات: الآية 48.
n (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شىءٍ مَّوزون) سورة الحجر: الآية 19.
n (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو ءاذانٌ يسمعون بها
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) سورة الحج: الآية
46.
n (فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وءاتت كل واحدة منهن
سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما
هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم) سورة الأنبياء: الآية 31.
n (أمَّن خلق السموات وألأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات
بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أءله مع الله بل هم قوم يعدلون، أمن جعل
الأرض قراراً وجعل خلالها أنهراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً
أءله مع الله بل أكثرهم لايعلمون، أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء
ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون، أمن يهديكم في ظلمات
البر والبحر ومن يرسل الريح بشرا بين يدي رحمته أءله مع الله تعالى الله
عما يشركون) سورة النمل: الآية 60 – 63.
n (خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها
من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم، هذا خلق
الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظلمون في ضلال مبين) سورة لقمان:
الآية 10، 11.
3- ومن فقه السياحة: التعرف على نهايات الظالمين، وعاقبة المجرمين ومصير
الطغاة والجبارين، لتطمئن النفس إلى أن العاقبة للمتقين والنصر للمؤمنين،
وأن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.
n قال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم
ولدار الأخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون) سورة يوسف: الآية 109.
n وقال سبحانه: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من
قبلهم كانوا أثكر منهم وأشد قوة وءاثاراً في الأرض فما أغنى ما كانوا
يكسبون) سورة غافر: الآية 82.
n وقال جل جلاله: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من
قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثلها) سورة محمد: الآية 10.
إنه تأكيد رباني على أن سنة التدافع بين الحق والباطل ستنتهي لا محالة
بانتصار الحق وأهله، وهزيمة الباطل وجنده.. ولو بعد حين (بل نقذف بالحق على
البطل فيدمغه فإذا هو زاهق) سورة محمد: الآية 15.
- في ألمانيا مررنا بمقر قيادة (هتلر) – الرايخ – الذي أطبقت جيوشه في فترة
من الزمن على روسيا ومعظم الدول الأوروبية.. ثم أصبح أثراً بعد عين، وذكرى
للتاريخ بعد هزيمة نكراء؟
- وفي إيطاليا تذكرنا ما فعله الديكتاتور موسوليني، وما اقترفه من جرائم
بحق الشعوب الأوروبية وبعض الشعوب العربية مستذكرين ثورة عمر المختار
وانتفاضة الشعب الليبي المسلم. فالعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على
الظالمين؟
- وفي مصر تذكرنا الفراعنة القدامى والجدد وظلمهم وبغيهم (إنَّ فرعون علا
في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طآئفة منهم يذبح أبناءهم ويستحىِ نساءهم
إنه كان من المفسدين، ونريد أن نمن على الذين اسنضعفوا في الأرض ونجعلهم
أئمة ونجعلهم الوارثين) سورة القصص: الآية 5،4.
- وفي فلسطين مررنا بالبحر الميت وتذكرنا قصة آل لوط والمصير الأسود الذي
لقيه أهل (سدوم وعمورة) بسبب فحشهم وشذوذهم.. (كذبت قوم لوط بالنذر، إنا
أرسلنا عليهم حاصباً إلا ءل لوط نجيناهم بسحر) سورة القمر: الآية 34،33.
وهكذا لا نكاد نمر ببلد إلا والعبرة ماثلة: (لمن كان له قلب أو ألقى السمع
وهو شهيد) سورة ق: الآية 37.
4- ومن فوائد السياحو والسفر التعرف على ما لدى اللآخرين من علوم وفنون
ومستجدات ومبتكرات وأساليب. والحكمة كما يقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها)). فالحياة مدرسة تتسع
وتضيق بقدر اتساع أو ضيق دائرة تعرف الإنسان عليها زماناً ومكاناً وظرفاً..
فالإنسان ابن محيطه. فمن كان حبيس بيته كان ابن بيته، ومن كان حبيس قريته
أو مدينته أو بلده كان ابن هذه الدائرة. أما من ارتحل في أرض الله الواسعة،
يلتمس العبر، ويقلب الفكر، ويستطلع الأحوال والثقافات والمعارف والأعراف
والتقاليد والتجارب.. فإنه لا شك سيكون أوسع نظراً، وأعمق تصوراً، وأكثر
خيراً، وأعظم أثراً، حيث يكون ابن عصره.
5- اقتباس العلوم والمعارف واتساع المدارك: ومن فوائد السياحة الاطلاع على
ما لدى الآخرين من علوم وثقافات وحضارات وخبرات وتجارب ومهارات وعادات
وتقاليد.. والأخذ بالمفيد منها، والمفعل للدور، والمطور للمشروع، والمقوي
للأداء..
والملاحظ أن الذين لا يخرجون من دائرة بيئتهم، ومناطق ولادتهم وسكنهم يظلن
أضيق أفقاً، وأقل معرفة وإدراكاً، وأبطأ تصوراً، وأقل عطاء من أولئك الذين
يتجولون في أرض الله الواسعة، ويتنقلون بين البلاد والشعوب.
والإسلاميون بشكل خاص مطالبون بالسياحة لمعرفة زمانهم وما فيه من قوى
وحضارات ومخترعات وتحديات وخصائص، للتعلم والتعليم، والأخذ والعطاء،
والاحتكاك بالغير وإفادته والاستفادة منه في ضوء القاعدة النبوية (( الحكمة
ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها)).
6- ومن فوائد الياحة الاعتبار بتجارب الآخرين وما مر بهم من حرب وسلم، وضعف
وقوة، وصحة وسقم، وغنى وفقر، وتقدم وتخلف.. واستكشاف أسباب كل ذلك
والاستفادة من كل ذلك عملاً بالمثل القائل "من رأى العبرة في غيره
فليعتبر". ولقد كان الهدف من القصص القرآني التعلم والاقتباس والاعتبار..
(تلك القرى نقصّ عليك من أنبآئها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا
ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين, سورة
الأعرلف:الآية 101. وفي آية أخرى (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به
فؤادك وجآءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين, سورة هود:الآية 120.
7- ومن الفوائد الجليلة للسياحة الدعوة إلى الإسلام سواءً لأهل البلاد أو
للجالية الإسلامية الموجودة هناك. واليوم بات الأمر سهلاً وميسوراً لوجود
المساجد والمراكز والمنتديات الإسلامية على امتداد العالم. فالدعوة إلى
الإسلام في البلاد المختلفة لها فوئد كثيرة ومنافع جمة للداعية وللناس.
فبالنسبة لهؤلاء فإن أثر القادمين عليهم من بعيد أكبرمن أثر المقيمين
بينهم, ثم هم بحاجة إلى من يستفتونه من مشاكل غربتهم وحياتهم الجديدة. راجع
فقه الاغتراب من كتابنا نحو صحوة إسلامية على مستوى العصر.
أما بالنسبة للدعاة فإن إطلالاتهم الاغترابية وما تحتاجه من إرشاد وتوجيه
وتفقيه يتناسب مع البلاد التي يعيشون فيها, والمشكلات التي يواجهونها..
يعطيهم المزيد من الخبرات, ويقدح زناد عقلهم بالجديد من الآراء والأفكار
والاجتهادات التي تتناسب مع كل بيئة وبلد..وصدق الله العظيم حيث يقول: (وما
كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في
الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) سورة التوبة:الآية
122.
8- ومن الفوائد التي فطن إليها الآخرون وسبقونا إليها ما يتعلق بالحركة الاقتصادية والنشاط الإنمائي.
إن السياحة يمكن أن تكون باباً واسعاً من أبواب التثمير, وإقامة المشاريع
الصناعية والتجارية والاقتصادية, وتبادل السلع من خلال عملية التصدير
والاستيراد.
والمشروع الإسلامي من خلال تكامله يحتاج إلى إلى القوة الاقتصادية, وبخاصة في عصر بات القرار السياسي مبيناً على الاعتبار الاقتصادي.
ولا أدل على ذلك مما وصل إليه اليهود من هيمنة على اقتصاد العالم وقطاعاته السياحية والمصرفية والصناعية والزراعية وغيرها..
ولقد أدرك الأولون من سلفنا أهمية هذا الأمر فشكلوا القوافل التجارية,
وجلبوا أقطار الأرض, يمارسون تجارة الدنيا والدين.. وكانوا يتنقلون على
الحمر والبغال والجمال.. فيقصدون البلد تلو الآخر ولم تكن لديهم طائرات ولا
سيارات وقطارات أو أي من وسائل النقل الحديثة..
9- ومن فوائد السياحة الترويح عن النفس, والخروج من أسر الروتين المضني
للجسم الممل للنفس عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"روحوا عن القلوب
ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت".
فالسياحة تجد النشاط, وتبعث الحيوية, وتشحذ الإرادة, وتصقل النفس, فيعود
الإنسان إلى بلده وكأنه خلق من جديد, وخلقت معه طاقات لم يكن ليشعر بها,
وفتحت أمامه آفاق لم يكن ليراها.